الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

هل تكفي 17 سنة لتنفيذ مشاريع ملكية تنموية بـ "رباط شاكر" بإقليم اليوسفية (1)؟

هل تكفي 17 سنة لتنفيذ مشاريع ملكية تنموية بـ "رباط شاكر" بإقليم اليوسفية (1)؟ مشاهد من موقع المسجد التاريخي برباط شاكر

المراجع والوثائق التي بحوزة جريدة "أنفاس بريس" تؤكد أن الملك محمد السادس كان قد أصدر تعليماته في سنة 2004، بالإنكباب على جعل رباط سيدي شيكر معلمة روحية يعتد بها وطينا وعالميا، وأعطى تعليماته لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد توفيق لتهيئة موقع سيدي شيكر. وفعلا انطلقت الدراسات الميدانية بين مجموعة من الفرقاء والمتدخلين في أفق تثمين موقع رباط شاكر باعتباره معلمة أثرية شاهدة على التاريخ.

مرت على التوجيهات الملكية مدة 17 سنة، وظل البرنامج الواعد الحامل لمشاريع الترميم والإصلاح والتشييد جامدا، اللهم ما عرفه المسجد من ترميم. دون تنفيذ المشاريع الأخرى ذات الصلة بالجانب التعليمي والعلمي والثقافي والزراعي والبيئي والمعماري والسياحي...؟

لقد قامت جريدة "أنفاس بريس" بزيارة ميدانية للمسجد التاريخي لتفقد المشاريع الملكية ذات الصلة برباط شاكر، فكان الصدمة قوية بعد أن وقفنا على عدم إنجاز ما برمج من مشاريع واعدة سنة 2004.والتي سنجردها في نهاية المقال.

قبل الخوض في ملف تهيئة وترميم وتشييد المعلمة التاريخية، نقدم لمن يعنيهم أمر المسجد التاريخي بمنطقة جماعة سيدي شيكر التابعة لإقليم اليوسفية لمحة تاريخية عن شخصية العالم والفقيه المجاهد شاكر بن عبد الله الأزدي اعتمادا على كتاب "صلحاء بلاد أحمر" للباحث الأستاذ مصطفى حمزة.

من هو شاكر بن عبد الله الأزدي؟

شاكر بن عبد الله الأزدي هو الولي الصالح المتبرك به حيا وميتا، منارة أحمر وعلمها الوهاج المتعدد الكرامات والمناقب، أحد أصحاب عقبة بن نافع الفهري، الذي دخل المغرب سنة 62 هجرية، وهو من بين جماعة تركهم عقبة بالمغرب ليعلموا الناس القرآن وشعائر الدين، كما يؤكد ذلك صاحب السيف المسلول : "خلفه عقبة على المساجد لما ذهب من المغرب"، ذلك أن عقبة هو الذي نشر الديانة الإسلامية بالمغرب الأقصى وأسس المعاهد الدينية كمسجد نفيس الذي لا يزال بعض آثاره موجودة بموضع مدينة نفيس ومسجد ماسة الشهير وغيرهما.

ولد ونشأ شاكر بن عبد الله الأزدي بالجزيرة العربية بقبيلة الأزد، وبها كانت بدايته وتكوينه الأولين، وفي سنة 62 هجرية رافق عقبة إلى المغرب، حيث كان متعدد المزايا ما بين معلم لكتاب الله العزيز، وناشر للتعاليم الإسلامية وداعية للمصامدة لعبادة رب العالمين، مما جعله مثار اهتمام العامة والخاصة، وهو ما يستشف من كلام صاحب جواهر الكمال: "الفقيه التابعي الجليل ذو المجد الأثيل،  ناشر شرائع الإسلام والدين ومشيد صرح الإسلام والمسلمين، المنقذ من الظلال المبين الداعي إلى عبادة رب العالمين، السيد الذي اشتهر أمره بالمغرب اشتهار الشمس في رابعة النهار، وظهر فضله ظهور علم أو منار، وناهيك بفخامة شأن وعلو مرتبة كونه من فقهاء التابعين".

مكانته العليمة والدينية وآثاره

أخذ سيدي شاكر عن مجموعة من الشيوخ في بلاد الحجاز، كما أخذ عن عقبة وعن صحابته أثناء رحلته معهم إلى المغرب، خاصة وأن عقبة بن نافع الفهري رافقه خلال ولايته هاته خمسة وعشرون رجلا من أصحاب رسول الله، مما جعل من شاكر علما متميزا، وهو ما يفسر في نظرنا سبب ترك عقبة له بهذه المنطقة ليعلم الناس أمور دينهم، ويراقب المساجد التي بناها".

وبالنظر للمكانة العليمة والدينية للولي الصالح شاكر بن عبد الله الأزدي كرئيس لبعثة عقبة بن نافع وأحد مشاهير التابعين فقد أخذ عنه عدد كبير من المصامدة وغيرهم شعائر الإسلام والقرآن الكريم.

ومن آثاره التي مازالت مثار فخر واعتزاز، مساهمته في نشر الإسلام بين المصامدة وتعليمهم القرآن الكريم ، كما أن التابعين له اتخذوا الرباط الذي يحمل اسمه (رباط شاكر) كمنطلق لمواجهة البرغواطيين الذين كانوا قد ظهروا بإقليم تامسنا (الشاوية حاليا) وامتدت حدودهم الجنوبية حتى شملت إقليم دكالة وعبدة، وغيرها من الأراضي الحوزية جنوب أسفي ونواحي مراكش، وكان السبب في مقاومتهم كونهم يتبعون نحلة مخالفة لشعائر الإسلام، وأنهم أرغموا سكان المنطقة المسلمين على التدين بديانتهم.

ومن هنا كانت مقاومة هذا الرباط (رباط شاكر) لهم، باعتبار أن مهمته كانت نشر الإسلام وتثبيته في أوساط المصامدة وغيرهم، وقد ظل يقوم بذلك الدور إلى أن تم القضاء على البرغواطيين في عهد الموحدين. وإلى جانب ذلك شكل رباط شاكر، مكانا لاجتماع صلحاء المغرب ولاسيما في شهر رمضان من أجل ختم القرآن حيث كانت منابر الوعظ من أجل نشر الإسلام، كما أنه من بين المراكز التي أنشأها الشيخ أبو محمد صالح من أجل استقبال الحجاج ومدهم بالمساعدات.

الطابع الحربي و الوظائف الدينية والروحية لرباط شاكر

وتظهر قدسية وأهمية هذا الرباط في تاريخ المنطقة بصفة خاصة، وتاريخ المغرب بصفة عامة، حين نتعرف على الصالحين والأولياء الذين زاروه أو درسوا به خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، اعتمادا على ما ورد في كتاب التشوف وهم كثيرون.

وعلى العموم فقد امتاز رباط شاكر بطابعه الحربي و وظائفه الدينية والروحية والثقافية مما جعله محط اهتمام سلاطين المغرب، وإذا كانا لا نتوفر على ما يثبت لنا اهتمام بعض السلاطين بهذا الرباط، فيكفي بالنسبة للسعديين أنهم أقاموا بالقرب منه زراعة قصب السكر وأنشئوا المصانع لصناعته.

اهتمام السلاطين العلويين برباط شاكر

وبالنسبة للعلويين يذكر الناصري أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله، لما انقلب راجعا من (الصويرة) إلى حضرته بمراكش "اجتاز في طريقه رباط شاكر وهو من مزارات المغرب المشهورة، وكان مجمعا للصالحين منذ قديم الزمان...فلما مر به، أمر بتجديد مسجده وحفر أساسه وتشييده". أما السلطان الحسن الأول فكان يزور هذا الرباط كثيرا، وأكثر زياراته كانت عن طريق الخفاء، وأراد بها التعبد والإنزواء عن الضوضاء والجلبة .

وفي عهد الملك محمد الخامس تعالت أصوات العلماء مستشفعة لدى جلالته ليأمر بإصلاح جديد لهذا الرباط، وبالفعل طالت يد الإصلاح رباط شاكر على يد القائد العربي بلكوش.

أما المغفور له الملك الحسن الثاني، فقد كان دأبه  توجيه توصياته إلى عماله بالإنتباه إلى هذا المقام لأنه من مآثرنا التاريخية، بل هو من أقدم المآثر التاريخية بهذه الديار الإسلامية. 

مشاريع تنموية ملكية برباط شاكر مع وقف التنفيذ؟

هدر الزمن التنموي ما بين سنة 2004 و 2021، بمنطقة سيدي شيكر (17 سنة) تتحمل فيه المسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والعامل السابق لعمالة إقليم اليوسفية وشركاء عملية التنفيذ والإنجاز، لذلك نتساءل ماذا لو تم إنجاز هذه المشاريع في وقتها المحدد؟ وما هي الأسباب التي حالت دون تنفيذها على اعتبار أنها قيمة مضافة لتثمين وتحصين معلمة تاريخية وروحية في بعدها الوطني والعالمي؟

يتبع