الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد أكدال: النقل الحضري غير المهيكل.. واقع سوسيو اقتصادي ينتظر الإدماج

سعيد أكدال: النقل الحضري غير المهيكل.. واقع سوسيو اقتصادي ينتظر الإدماج سعيد أكدال

يشكل ما يسمى بالنقل غير المهيكل أحد مكونات المشهد الحضري بالمدن المغربية إلى جانب وسائل النقل القانونية من حافلات وسيارات أجرة ودراجات وسيارات خاصة. وإن تعددت أسماؤه واختلفت أنواعه، فإن تناميه غير المراقب وتطوره خارج إطار الشرعية جعله يفرض نفسه كقطاع يساهم في الحركة الاقتصادية الحضرية.

 

فإذا كنا لا نستغرب ونحن نصادف هذه الظاهرة بمختلف مدننا لأنها تشكل واقعا في حياتنا اليومية ولا سبيل لإنكاره، فإن ما نندهش منه هو أن الأجهزة المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي تتعامل مع هذه الظاهرة انطلاقا من منظور سلبي وتعتبرها وضعا مرفوضا وخارج القانون ووجب محاربته.

 

إن ما يتحتم معرفته هو أن ظاهرة النقل غير المهيكل هي نتاج اجتياح النظام الرأسمالي للدول النامية. وقد كان هذا الاجتياح سببا في انشطار اقتصاد هذه الدول إلى قطاعين متضاربين: قطاع مهيكل تحكمه ضوابط منظمة وقطاع غير مهيكل يعبر عن متطلبات منبثقة عن شرائح اجتماعية لها خصوصيات لا تتوافق وما يعرضه القطاع المهيكل.

 

وسواء سلم البعض بهذه الحقيقة أم لم يسلم، فالنقل غير المهيكل يمثل مكونا أساسيا من مكونات المشهد السوسيو اقتصادي بالمغرب، بل إنه يساهم بقوة في الحركة الاقتصادية. فحسب البحث الوطني الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط بين 2013 و2014 وصلت نسبة المشتغلين بالقطاع غير المهيكل إلى حوالي 29% من مجموع المشتغلين بالمغرب، وكانت مساهمته في الناتج الداخلي الخام 11%.

 

ومن بين الاستنتاجات التي انتهى إليها البحث الوطني أيضا هي أنه من مجموع المشتغلين في القطاع غير المهيكل في سنة 2013 حوالي 25% كانوا يزاولون أنشطة خدماتية (النقل والاتصالات)، بعد أن لم تكن هذه النسبة تتجاوز 20% في سنة 1999. وهذه الزيادة كانت على حساب مساهمة الأنشطة الصناعية غير المهيكلة التي تراجعت من 21% إلى 16%،وذلك بسبب منافسة المنتجات الصينية. ولعل النقل الحضري غير المهيكل كان أكبر المستفيدين وذلك نظرا لتفاقم أزمة التنقلات بالمدن الكبرى على وجه الخصوص.

 

 بيد أن هذا القطاع غير المهيكل يظل مغيبا في الاستراتيجيات الفعلية المحلية والوطنية، كما أنه يقابل بالتجاهل أو اللامبالاة، بل والأكثر من ذلك لا يصنف ضمن انشغالات أجهزة التدبير الحضري إلا كآفة اجتماعية وجب التصدي لها ومحاربتها للاعتقاد خطأ بأنها تحدث اختلالا في السير العادي للشأن المحلي. هذا في الوقت الذي يوصي فيه المكتب العالمي للشغل بالاعتناء بهذا القطاع وإدماجه في المخططات والسياسات الوطنية لمختلف دول العالم.

 

وما يؤكد ذلك هو تلك الدراسة المتعلقة بمخطط التنقلات على مستوى الدار البيضاء. حيث يتجلى بوضوح مدى التجاهل وعدم الاهتمام بكل ما له علاقة بالنقل غير المهيكل، وكأن العاصمة الاقتصادية للمملكة غير معنية بتاتا بهذه الظاهرة. في حين أن واقع الحال يبرهن على أن صعوبات التنقلات الحضرية، وخاصة بالنسبة للـتجمعات الحضرية الواقعة عند أطراف المدينة، تشجع على تطور الظاهرة على المستويين الكمي والكيفي دونما توقف.

 

فمن الغريب أن الدراسة التي أنجزت في إطار مخطط التنقلات الحضرية بالدار البيضاء، لم تتطرق إلى موضوع النقل غير المهيكل ولم تشر إلى الاستراتيجية المرتقبة لمعالجة هذه الظاهرة السوسيو اقتصادية.  وقد لاحظنا أنه بالرغم من المعطيات التي توفرها هذه الدراسة وبالرغم من السيناريوهات المقترحة في أفق 2030، ظل قطاع النقل غير المهيكل مغيبا ولم يحظى بأي تشخيص أو مقترح معالجة.

 

والذي يطلع على هذه الدراسة لا ينتهي إلى أية خلاصة تجعل مدينة الدار البيضاء تتميز كدولة من دول الجنوب، باستثناء التنقل مشيا على الأقدام الذي يمثل 62% من مجموع الحركية الحضرية (أنظر مقالنا السابق). ففي مدينة عملاقة كالدار البيضاء كان من المنطقي أن تخصص دراسة مخطط التنقلات حيزا ولو بسيطا ومقتضبا للبحث في ظاهرة النقل غير المهيكل. إذ لا يعقل أن توضع استراتيجيات مستقبلية في غياب هذا الواقع ودونما الأخذ بعين الاعتبار لمعطى سوسيو اقتصادي يعد من أبرز مكونات المشهد الحضري البيضاوي.

 

ومن الأكيد أن هذا النقص سيؤثر على كل النتائج النهائية ويجعل الخلاصة منحرفة وتزيغ عن الحقيقة، فتصيب الاستراتيجيات المستقبلية بالهشاشة وتحكم بالفشل على المخطط برمته.