الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

سعيد توبير: شرعية المغرب التاريخية في مواجهة أطماع الجزائر

سعيد توبير: شرعية المغرب التاريخية في مواجهة أطماع الجزائر سعيد توبير
في غمرة احتفالات الشعب المغربي بالذكرى السادسة والأربعون لحدث المسيرة الخضراء، والتي يعرفها عبد الله العروي بـ (لقد كانت المسيرة الخضراء بمثابة واقعة نفسية عامة، ساهمت في عودة الوعي المغربي إلى ذاته.
مسيرة سلمية وقد شكلت تتويجا لمسار النضال المغربي في الأمم المتحدة لاستكمال وحدته الترابية، منوّها فيها بالجرأة السياسية والشجاعة الديبلوماسية والتخطيط الإداري التي أبداها الملك الحسن الثاني رحمه الله، في تنظيم ملحمة تاريخية ووطنية). يستهدف الموضوع رصد ثغرات وتناقضات موقف الخطاب السياسي الجزائري الرسمي، الموقف المشبوه والمناهض لأحقية المملكة المغربية في استعادة الأراضي المغتصبة من طرف الاستعمار الإسباني ومواصلة استكمال وحدته الترابية، في أفق التخلص من التركة الاستعمارية ذات الطابع التجزيئي، التي تكرس خرائط جغرافية مصطنعة أو مشكوك في شرعيتها التاريخية.
1- أطماع الجزائر والاستعمار :
الواقع هو أن الموقف الجزائري بجميع أشكال مناوراته يريد أن يضفي الشرعية الغاشمة على موقفه الرسمي في معاكسة المغرب في توجهه التحرري، خوفا من تحريك سواكن "الصحراء الشرقية"، التي ورثتها عن الاستعمار، أو أنها تذكر بمرحلة الاستعمار. أو أنها تريد إدامة تركة الاستعمار المرادفة للغم قابل للإنفجار على أرضية الموقف المستمد من الشرعية التاريخية وسياسة الأمر الواقع. فأين حلم وحدة المغرب العربي؟ ونحن نرى كما يقول عبد الله العروي في محاضرة "كرسي الجامعة" (أن الدول العربية أصبحت ضعيفة مسلوبة الإرادة، و أصبح الانتماء اليوم هو للعرق و المذهب و القبيلة و ليس الدولة، يبدو وكأن المستقبل الأرجح لسلطة القبلية أو للفيدراليات الهشة).
تدعي الجزائر كونها معارضة للاستعمار، وسليلة الثورة، و أنها ماتزال مناهضة له بدعم حركات التحرر، عاملة على تمويه الرأي الدولي بأن تصفية الاستعمار فيه انسجام مع قيم النظام الجزائري الرسمي . والحال هو أنها لا تكرس إلا تركة الاستعمار بتفتيت الأوطان و تشتيتها و إدامة هشاشتها و تبعيتها بحكم الأمر الواقع.
وهذا أمر يفيد أيضا عدم اعترافهم بالشرعية التاريخية المغربية في صحرائه كسند يمكن اعتماده. بيد أن المشكل يظل مرتبطا بالخرائط التي تلت خروج الإستعمار لخدمة أجندات تجار الحروب و دهاقنة الجرائم الفضائعية. فإما أن تتوب عن غيّها و تفكر في المستقبل الذي يبني شرعيتها على أساس الوحدة و التكثل بدل التفتيت و التجزييء. أو أن تتخلى عن الموقف المشبوه أو الأرعن في تأبيد الإرادة الإستعمارية ومواصلتها. أو أن تكشف عن إرادتها في أن تحل محل المغرب في إطار منافسة على من يملك الحق في امتلاك أرض غير صالحة لأن تصبح دولة.
2- شرعية المغرب التاريخية:
يرى المؤرخ عبد الله العروي أن حدث "المسيرة الخضراء" من حيث رمزيته أنه يتماهى مع نفس الوضعية لما شهده المغرب في كفاحه ضد الغزاة الإيبريين في 1578، أي في معركة "وادي المخازن" التي ساهم فيها المغاربة من جميع الجهات لإنقاذه من الكارثة. ونفس الشيء وقع في 1859 عندما خرجت قوات إسبانية تريد أن تنتجع في شمال المغرب عبر استهداف مدينة تطوان ليعلن الجهاد والتحرير حتى في الأطلس المتوسط. إذن قد يسعفنا التاريخ أو الذاكرة في استحضار" الوطنية" كتحول في الوعي الجماعي المغربي، الذي تنمحي فيه كل الاختلافات العمرية والسياسية والتقنية. ولذلك يقول: (عندما تهضم الذاكرة الماضي يصبح النسيان خطأ).
ليست الدولة المغربية كما يقول : دولة "استعمارية" نشأت في حدود، خططها المستعمرون و أورثوها لقادة البلاد الجدد بعد الاستقلال، بل هي دولة تاريخية دولة ومجتمعا، تكونت عبر قرون، و بخاصة بعد القرن السادس عشر. وتبلور الوعي "الوطني" المغربي أثناء صراع مرير ضد الإسبان شمالا وضد الأتراك العثمانيين في الشرق، للمحافظة على حدود معروفة لدى السلطة والشعب.
وكان الشعور بضرورة حماية حدود معروفة، لا يقل رسوخا عن الوعي بالمحافظة على استقلال البلاد.
لم يرث الإستعمار الأوربي السيادة على المغرب من دولة سابقة ( مثلا الأتراك في الجزائر) أو من رؤساء القبائل (عموم افريقيا) و لم تخلق من عدم ( آستراليا) و إنما استمرت السيادة المغربية رغم تفويض الإدارة لدولة أو مجموع دول أروبية _ وأكد على هذا التمييز بين السيادة الواحدة و الإدارة المفوضة إلى عناصر مختلفة. فبعد عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء(1906) وما تلاه من اتفاقيات ثنائية.
كان الفرنسيون يديرون شؤون الدارالبيضاء والإسبانيون طرفاية والبلجيكيون وسواهم طنجة، لكن كان الجميع يعترف بسيادة واحدة. أي السيادة الواحدة المتقمّصة في "حقوق السلطان".
إن فرضية "الصحراء المستقلة" غير صحيحة في نظره، من جهة أن المفهوم الجغرافي لا يمكن أن ينتج "أقلية سياسية". بحيث أن هناك صحراء جزائرية، ليبية، تونسية، سودانية وصومالية، ولماذا فقط بناء دولة مستقلة في "الصحراء الغربية المغربية"؟ مع أن هناك صحراء غربية مصرية. فإذا كانت إسبانيا تقر في تقاريرها أن عدد سكان الصحراء لا يتجاوز عددهم 50.000 أغلبهم من البدو الرحل. فما هي القاعدة التي ستبنى عليها دولة مستقلة ودائمة؟
وأما تأخرها عن اتخاذ موقف الجلاء فقد كان بسبب رغبتها في الحصول على التعويض المناسب. وعليه لم تقدر إسبانيا على رد مطالبة المغرب من لجنة "تصفية الاستعمار" بالجمعية العامة للأمم المتحدة باستفتاء محكمة العدل الدولية حول استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية. ولذلك يرى أن السبب الوجيه الأول هو المكانة المهشمة التي كانت تحتلها إسبانيا "فرانكو" في ردهات الأمم المتحدة بسبب "الجرائم" التي تم اقترافها فيما يخص حقوق الإنسان في إسبانيا" الحرب الأهلية"، ناهيك عن الفظائعية المقترفة في حق أبناء المقاومة المغربية.
3- خلاصة القول : هي ضرورة الاحتكام إلى قيم المشترك التاريخي والديني والجغرافي والتحرري بين الشعبين المغربي والجزائري الشقيقين، بالوفاء الصادق للقيم التي تعاهد عليها المجاهدون والمناضلون المغاربيون في مناهضة و إخراج الاستعمار بالعمل المسلح مدحورا يجر أذيال الخيبة.
يا أهل الجزائر ...تعالوا الى رؤية مغاربية كونية قادرة على انتشال شعوبنا من اليأس والضيم بالتضامن الثقافي بالتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني واستثمار الإمكانيات المادية والطبيعية في أفق تشكيل وحدة اقتصادية واندماج اجتماعي وثقافي في مستوى انتظارات مستقبل المناعة.
سعيد توبير، خريج جامعة محمد الخامس بالرباط باحث في الفلسفة والتربية