اقتحمت أسماء الوجود بكثير من الإرادة وبكثير من الأمل ... تأتي في زمن مغربي صعب وعسير ...تأتي لتبشر بعودة " السبع السمان " منتصرة على " السبع العجاف "، لتملأ ارضنا خصبا، وبيادرنا حبا وحبا ... تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للأغنية ... جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم، واحتفلنا بألحان النشيد المغربي ... رقصنا مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات، الاعتماد على النفس، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود.... قد يكون الميلاد حلوا ... إنما المستقبل أحلى ...تأتي أسماء لتكسر الصمت وتحطم المألوف، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي، لترفض الرداءة وتجتهد لتبدع... لتسمو عن دونية الحريم وخسة " العيالات والولايا " وتعانق شموخ الإنسان وكبرياء المرأة...
منذ بداية البدايات عشقت الطرب وداعبت اللحن...عز عليها أن تسقط فتستجيب لطيور الظلام ...عز عليها أن تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة ... لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الإبداع مهما غضب السيد والجلاد ...أصرت على أن تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وان كان الزمن زمن جهل ورداءة ...اذن فلا خوف علينا إذا ادلهمت بنا الأفاق من أن لا نجد مطربة مقتدرة تنبهنا وتهدينا ... فان أسماء التي أطلقت في زمن الصمت صرخة، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد...
تعطرت بوعي فني مبكر، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب ...في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي الإبداعي والإنخراط في الغناء...
عانقت الإبداع وهي بالكاد شابة.. شكلت وما زالت قيمة مضافة للأغنية المغربية ... تحاصرها أسراب إلبوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة بإختيارها ...أسماء صاحبة قضية، وعلى فنانتنا أن تواجه الأمواج والإعصار ...فهذه قناعتها وهذا واجبها....وهذه مهمتها.. وإلا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية ...هكذا نرى أسماء لمنور ترى الاشياء ...وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه ... فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون...
وقفت أسماء لمنور فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للقبح ... أنها صاحبة صوت جميل... أنها فنانة طروبة ...مبدعة بإمتياز أنوثة....
ألام المرحلة حاضرة في وعيها ...هي أسماء، إذن، حداثية بموروث ثقافي ... حداثية بموروث مغربي أصيل.. فنانة بقناعاتها وما اسهل تاقلمها في المجال اذا ارادت بمحض إرادتها، دون أن تخضع لأي أمر او قرار... تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها وتقول لا للوصاية والتوريث ، لا لإعطاء الدروس بالمجان ...لم تسقط سهوا على الغناء...هي فنانة ايمانا واختيارا.. اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل ، وانتزعت الإعتراف والتقدير بالجمال والابداع ...
ومنذ طفولتها كانت أسماء وردة ممسكة بزمام مسار حياتها، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، تشق مجراها بصبر وثبات...
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود ، بالجدية وشيء من الشغب، تصطحب ظلها لمواجهة المجهول... لمجابهة المثبطات، لعناق الأمل، ودائما تحمل في كفها أغاني وألحان، وفي ذهنها آهات ورقصات، وعلى كتفها مهام حب الجماهير، فهي تكره الفراغ... أن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه... وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا ... وعي بأن الحياة خير وشر مد وجزر... مجد وانحطاط ... ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح ... تكون المبادرة ويكون التحدي ... تكون الطريق المؤدية إلى النتائج ... وتقول أسماء :" لا تهمني الحفر ولا اعيرها اي انتباه " ... منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح االنجاح ...
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية ... تكره الأسلوب المتشائم ولغة الياس والتيئيس ... لا... هي امرأة جد متفائلة، والعينان تعبران بالإبتسامة عن هذا التفاؤل ... وهذا الطموح ... وهذا الحب اللامشروط للغناء...
ارتشفت ثدي الفن ونهلت من حليبه، وتشبعت بجمالياته واشراقاته...
تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخان الفن هو فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري..
أنها فنانة تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ ...اختيارا لا قسرا ...تنسجم بيد أنها لا تذوب... هي ذات فرادى واختلاف... تحوم سماوات العالم الرحاب ولا تهيم ، وتعود مثقلة بالألق والتألق لتبشر بغد جميل لمغرب جميل... لا يمكن أن تحشر في زمرة الفنانات الكسولات فهي ليست منهن، لأنها محصنة، ولكنها تعرف ان الطريق ألغام وكوابيس... وقائع وانفجارات.. دسائس واشاعات... لهذا تمضي بحكمة وثبات... تفضح الكوابيس وتنبه إلى صخبها... تنبه إلى الاغراءات وتحذر من مخاطرها... لترتفع إلى مقام المرأة المبدعة والمحبوبة .... وليست منهن لانها رضعت الأناقة والأنافة في معبد الشجعان ...فاسمحوا لي أن أعلنها صاحبة طرب وصاحبة أجمل الأغاني...
لأسماء لمنور حضور فني قوي، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها، بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار جمالي ... هي اصلا تربت ضد الصمت.. تربت على كره النفاق والغدر.. وهي طفلة، وهي تنمو، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة... مترفعة في لحظات الهرولة... واثقة في زمن التيه ... مؤمنة بان النجاح اجتهاد وعمل... وأن الفن إختيار وإلتزام ...
تجربة الحياة نزعت منها للابد الإحساس بالخوف والاستسلام ... وزرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها مهما كانت العراقيل والعوائق ... تجربة زرعت فيها الصمود والتصدي ...تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة ... تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا... تمطر حبا حينا ونارا احيانا.....