حين فضح الملك محمد السادس في خطاب 6 نونبر 2013، فساد المنظمات الدولية وتورط الجزائر في رشوة العديد منها، لم يكن ذاك الفضح يدخل في باب الغضب كما حاولت بعض الأصوات تصوير ذلك، بل كان خطابا لرئيس دولة تحدث بحزم لأنه توافرت لديه كل المعلومات لمعرفة خبايا الأمور.
استحضار الخطاب الملكي في 6 نونبر 2013 مسألة مفصلية لتحليل كيفية التعاطي مع منظمات أوروبية وأمريكية تخصصت في المغرب وجعلت منه «أصلا تجاريا» لخوض حرب بالوكالة ضد المغرب لفائدة الجزائر باسم "حقوق الإنسان".
صحيح أن المغرب يتميز عن الجزائر بكونه انخرط طوعا في كامل المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وهو الانخراط الذي جعل المملكة المغربية مفتوحة أمام كل الآليات الأممية وجعلها محط كشافات الضوء العلني لتتبع ورصد كل حالة تهم المجال الحقوقي. عكس الحال بالنسبة للجزائر التي اختارت الانغلاق وإحكام سد الأبواب أمام كل مراقبة أممية أو رصد دولي لحقوق الإنسان داخل ترابها.
وكما سبق أن حذرنا مرارا، فانخراط المغرب في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، لا ينبغي أن يتحول إلى «سيف ديموقليطس» مسلط على رقاب المغاربة لابتزازهم.
فمنذ تقديم تقريره الخامس يوم 25 أكتوبر 2004 أمام مجلس حقوق الإنسان إلى اليوم، قام المغرب بوثبة بارزة في المجال المؤسساتي والتشريعي ليتلاءم مع المعايير الأممية، كما واصل التصديق على معظم المعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان (لا يسع المقام هنا لاستعراضها كلها)، ولعل أبرز عمليات التصديق تلك التي طالت المعاهدات المتعلقة بالاختفاء القسري والتعذيب، كما رفع المغرب تحفظاته بخصوص اختصاص «اللجنة الأممية ضد التعذيب». وفي إطار تفاعله مع المنتظم الأممي استقبل المغرب مختف الآليات الخاصة (مقررين أمميين أوفرق عمل أو خبراء مستقلين منتدبين من طرف المجتمع الدولي).
وبالرغم من هذا التفاعل والتجاوب، تصر مجموعة من المنظمات الدولية، الدائرة في فلك الجزائر والقوى الاستعمارية التقليدية، على إبراز المغرب وكأنه «بورما» تتعرض فيه المجموعات العرقية للحرق وتنصب المشانق للناس في السجون والكوميساريات ومراكز الدرك.
نعم، المغرب ليس هو فنلندا أو السويد، لكن ليس هو الجزائر، وهذا ما يسقط المصداقية على تلك المنظمات التي لا ترصد الدينامية المسجلة بالمغرب. بدليل أنه منذ زيارة المقرر الخاص الأممي حول التعذيب للمغرب (15-22 شتنبر 2012) تم تسجيل إيجابية وجود إرادة لترسيخ انخراط المغرب فيالمسلسل الحقوقي الأممي.
الآن حان الوقت لإعادة تحيين المعطيات حول كل ملف وإعادة رسم استراتيجية قوية تستخلص النبرة الهجومية للملك محمد السادس، خاصة خطابه المشار إليه في 6 نونبر 2013 وخطابه في مالي يوم 19 شتنبر 2013 حول مقومات الحكامة الأمنية بمنطقة الساحل وشمال إفريقيا.
فالمغرب يؤخذ كله أو يترك كله.
وتأسيسا على هذه القاعدة، يبقى من غير المستساغ خطب ود المغرب للانخراط في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب، وبالمقابل تسخير منظمات دولية ضده لممارسة رياضة "التقلاز من تحت الجلابة".