السبت 18 مايو 2024
مجتمع

كريمة دلياس:متى ستكفون عن قتلكم البطيء لرئاتنا وحواسنا؟

 
 
كريمة دلياس:متى ستكفون عن قتلكم البطيء لرئاتنا وحواسنا؟

مدينة الدار البيضاء الشريان الاقتصادي النابض لقلب المغرب، أصبحت فرنا كبيرا للنفايات، لم يجد المسئولين عن الشأن العام للمدينة من وسيلة لتدبير النفايات والتخلص منها، سوى حرقها في الهواء الطلق في وقت حساس من الليل والناس نيام، حتى يغطوا في نومهم العميق دون أن تطاردهم الكوابيس المزعجة، ولعلها الوسيلة الأنجع للتخلص من الأرق والكوابيس، والخلود إلى النوم في هدوء تام دون أخذ مسكنات.

ما الأمر؟ فجل المدن المغربية تحرق فيها النفايات في الهواء الطلق بشكل عشوائي داخل المجمعات السكنية؟ بل أصبحت هذه السلوكيات اللاأخلاقية من المسلمات في بلدنا الجميل.
في السنة الماضية من شهر نونبر احتضنت مراكش المؤتمر العالمي لتغير المناخ " كوب 22"، ومن بين الأهداف التي نصت عليها الاتفاقية الدولية في مؤتمر القمة العالمي للمناخ والتي تضم 197 دولة، هو خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان لبلوغ أهداف مشتركة ولكن متباينة.
فما مدى التزام المسئولين بتنفيذ اتفاقية الإطار؟ وماذا اتخذت الدولة من إجراءات وتدابير بعد هذه القمة العالمية؟ هل قضت الدولة على ظاهرة الحرق العشوائي في الهواء الطلق ووسط المجمعات السكنية؟ هل تمتلك الدولة محارق صحية وأفرانا خاصة متطورة بدرجة حرارة عالية، حتى لا تتسرب "الديوكسينات المسرطنة" والسموم الفتاكة إلى رئات الناس وتسبب لهم حساسيات مفرطة وأمراض سرطانية قاتلة، هل حافظت على البيئة وحمتها من الملوثات البيئية؟ إن حرق النفايات بهذه الطرق المشينة وبوتيرة يومية، وانتشار سمومها في المدينة كلها بشكل لا يطاق هو إخلال بالاتفاقية الدولية لتغير المناخ أولا وبقيم المواطنة ثانيا، وبالقيم الأخلاقية والبيئية، فهل هذه هي الطريقة المثلى في نظر المسئولين للحفاظ على النظام المناخي من أجل الأجيال القادمة؟
لم أجد تغييرا ملحوظا لا في الأفعال ولا في السلوكيات اتجاه بيئتنا بعد هذه القمة، سوى مزيد من صناعة "الديوكسينات المسرطنة" والملوثات البيئية دون مراعاة أدنى الشروط الصحية وأدنى واجبات الحماية البيئية.
وفي الآونة الأخيرة زادت الجرعات عن حدها وأصبحنا نتعطر بالروائح الزكية كل مساء، وتستمر إلى أول خيوط الفجر، بل حتى الفجر لم يعد له أنفاس زكية يا إلهي، وغاز الأوزون الذي كنا نستنشقه كل صباح والذي له دور فعال في تنشيط الدماغ وتجديد الخلايا أعدموه تماما، إننا نختنق في كل حين، لقد أعدموا حواسنا وسمموا رئاتنا التي لم تعد تقوى على مزيد من المقاومة.
كما أنه للتذكير فقط، في السنة الماضية تمت صفقة خاصة بالنفايات السامة المتراكمة عبر عقود، استوردت إلينا بالأطنان من الخارج، والمسماة ب "زبالة الطاليان"، عقدتها وزيرة البيئة السابقة حكيمة الحيطي مع جهات خارجية، والتي تفاعل معها كل الشباب والفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، لكن سرعان ما تم نسيان الفضيحة المدوية، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما مصير هذه النفايات في غياب الشروط الدولية اللازمة للتخلص منها؟ ولماذا لا يتخلص منها البلد الأصلي الذي هو عضو في الاتحاد الأوربي عنده إذا كانت غير سامة؟ بلا شك أنه سيجر عليه الويلات جراء ذلك.
وأيا كانت مصادر النفايات، هل يعلم حكماء البيئة والمسئولين عن خطورة الديوكسين وأضراره على البيئة والصحة العامة؟ هل يعلمون خطورة التجاوزات التي يرتكبونها ونتائجها على البشر والشجر وحتى الحجر؟ أم أن التجاهل سيد الموقف؟
مادة الديوكسينات هي ملوثات بيئية تتميز عن غيرها بانتمائها إلى "المجموعة القذرة"، هي أكثر السموم الكيماوية التي عرفها الإنسان، ومن بين مسبباتها حرق النفايات العضوية والصلبة، والتي تتم على درجات حرارة منخفضة نسبيا، أما خطورتها فهي مثل خطورة النفايات المشعة.
فالديوكسينات الموجودة في الهواء تتسرب إلى التربة، وتنتقل عبرها إلى السلسلة الغذائية للإنسان والحيوان، كما تتراكم في أجساد الحيوانات الحية، وتنتقل من كائن حي إلى آخر.
المدينة البيضاء عفوا "السوداء" هي الآن للأسف مصنع للسرطانات القاتلة، إننا لا نمتلك في هذه المدينة الغول حتى المساحات الخضراء الكافية لامتصاص مختلف الملوثات الصادرة عن مخلفات المصانع ومداخن السيارات والحافلات المتهالكة التي تعج بها المدينة، فما بالكم أن نختنق بمزيد من حرائق المخلفات البيئية الداخلية والخارجية؟
أيها المسئولون، متى ستكفون عن قتلكم البطيء لرئاتنا وحواسنا؟ أيتها الجمعيات الحقوقية والبيئية أينكم؟ ويا حماة البيئة أينكم؟ متى ستوقفون هذا السواد المنتشر في العقول؟ المدينة السوداء تستغيثكم، ولم نجد بدا من السؤال عنكم، ماذا عملتم لحمايتنا من كل هذه الأضرار؟
يا حكماء البيئة، السكوت نقمة في مثل هذه المواقف، فهلا تفضلتم للمرافعة عنا؟ أم أن وجودكم كغثاء السيل؟