السبت 18 مايو 2024
مجتمع

ما هكذا تورد الإبل أيها السادة الجاثمون على صدر إقليم اليوسفية

 
 
ما هكذا تورد الإبل أيها السادة الجاثمون على صدر إقليم اليوسفية

ألقى بمؤخرته على كرسي جلدي لا يتسع ولا يحتمل ما تكتنز من اللحم، تاركا وراءه رائحة ماركة العطر الفرنسية التقطتها خياشيمنا نحن ثلاثة زبناء متفرقين على كراسي وطاولات المقهى، يحمل في يده ثلاثة هواتف نقالة وبعض حاجياته التي وضعها داخل محفظته الشخصية، بجسمه المترهل وبطنه المنتفخ مثل الفقمة التي التهمت توا أطنانا من السمك.. ربطة عنقه تكاد تخنق أنفاسه، لكنه لا يبالي "بالكَرافط" التي لفت جيده الغليظ. رد على مخاطبه عبر الهاتف والسيجارة الشقراء تتدلى من شفتيه قائلا بصوته الخشن الذي ملأ الفراغ "سمعني أبا.. هذا هو العرس وإلا فلا، واش شفتي رجال السلطة كلهم حاضرين والمنتخبين تاع الإقليم.. الحمد لله تفرجنا وكلينا... راني وصلت القهوة في الويجانطي".

أسر لي "الكرصون" بأن الزبون الغريب، كان ضيفا في عرس بإحدى الجماعات القروية التابعة لإقليم اليوسفية، مساء يوم السبت 27 أكتوبر 2017. أقيم بمناسبة حفل زواج التقت فيه كل أعيان قبيلة أحمر، والمنتخبين، ورجال الدرك والسلطة المحلية وموظفين بالعمالة. فقمت باتصالات هاتفية هنا وهناك واستجمعت معلومات جد مفيدة لكنها مقلقة وجديرة بالتعميم.

"عرسك مباريك الله يكمل ليك"... لكن؟ "الله يكمل عليه أخويا، لكن أتساءل معكم. هل بإمكان رجال السلطة والمنتخبين والموظفين والبرلمانيين، والمقاولون أن يشاركوا أفراح وأتراح كل عائلات ساكنة الإقليم البؤساء؟ ويقوموا بزيارة ودعم المناسبات المفرحة التي يقيمها بسطاء الإقليم وفقراءه"، يتساءل أحد شهود عيان ممن حضروا لأداء عمل معين. وأضاف باستغراب "كيف يعقل أن يتم استغلال شاحنات محملة بصهاريج الماء تابعة سواء للعمالة أو بعض الجماعات الترابية لسقي محرك الخيل؟".

في السياق نفسه طرحنا سؤالا على أحد الفاعلين المدنيين بالإقليم، فقال متحسرا "كثرة الهم كضحك. نعم لقد سمعت بالأمر. وعلمت أن أغلب أعضاء المجلس الإقليمي حضروا للوليمة، بجانب بعض رجال السلطة (رئيس الدائرة والقياد..)، والبرلمانيين والمقاولين والأعيان والموظفين. وتساءلت مع نفسي ما الذي يجمع بين هؤلاء؟ هل تحول اجتماع المجلس الإقليمي بالجماعة القروية الطياميم؟ لمناقشة جدول أعمال (الإعفاءات الملكية لوزراء من الحكومة وعدم الرضا عن آخرين)."

وقال محدثنا "الملك وبخ وأعفى وزراءه، من مناصب حكومية وسامية، وأزاح "معمرين" من إدارات عرفت اختلالات وتقصير في المسؤولية، ورغم ارتدادات هذا الزلزال السياسي، على المستوى الوطني، وما تلاه من موجات هزات أخرى، استشعرها المواطن البسيط التواق إلى تفعيل وأجرأة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، للقطع مع أساليب "المخزن العتيق" الذي عات في البلاد فسادا. مازالت بعض الوجوه "القاسحة" لم تستوعب الدرس السياسي، علما أن جل التقارير الإعلامية تؤكد أن تسونامي اقتلاع جذور التعفن الإداري يتحرك من مؤسسة إلى أخرى. وسيزحف في جميع الاتجاهات. بدليل التوجيهات الملكية لوزير الداخلية لافتحاص وتفتيش كل الإدارات والمؤسسات التابعة لها، وأعطى تعليماته بخصوص الصرامة الواجب اعتمادها تجاه كل من يخل بواجبه ويقصر في عمله، بمعنى أن هناك إرادة حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان كرامة المواطن سواء في المدينة أو البادية في الجبل والسفح وفي أبعد نقطة معزولة ومهمشة."

"بماذا نفسر موائد البذخ التي تجمع الرئيس والمرؤوس، المنتخب والمراقب، المكلف بالرقابة والساهر على أمن القبيلة، صاحب المشروع ومانح الصفقة.... وو؟" يتساءل فاعل جمعوي بالإقليم. وأوضح قائلا "يبدو الأمر غريبا جدا في ظل وضعية إقليم تتسم بالكارثية. وتحتاج لتغيير الوجوه والشخصيات التي لعبت دور المؤتمن على تدبير الشأن الإقليمي والمحلي. لكن ما وقع ينبئ بأن هناك تواطؤا بين هؤلاء فضحته الولائم المشتركة بين بطون الإدارة والمنتخب ورجل السلطة وضمير الرقيب".

إقليم اليوسفية يحتاج إلى تسونامي وليس لزلزال سياسي ليقوم كل واحد بواجب الائتمان على الحقوق والواجبات، ويأخذ مسافة بين التدبير الإداري والمؤسساتي والرقابي وبين ولائم الرسائل المشفرة التي بعث بها للكتلة الناخبة بقبيلة أحمر.

على سبيل الختم: عرفت سنة 2017 ترويج فيديوهات عن بعض أعراس العائلات الثرية. وحملت معها أسئلة محرجة عن طريقة تبذير الأموال الطائلة أمام أعين فقراء الوطن. وتعدى ذلك إلى تقليد مراسيم ذبح أضحية العيد على طريقة الملك. فهل يكف هؤلاء عن ممارستهم المذلة والمهينة لهم؟