الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

بين عناد الواقع وسوء التدبير..تازة الحاضرة التاريخية تحتضر

بين عناد الواقع وسوء التدبير..تازة الحاضرة التاريخية تحتضر يحيى المطواط، ومشهد لثريا المسجد الأعظم بتازة العليا
مدينة تازة، سوف لن يسعنا المجال للحديث عن مجد تاريخها ومساهمات رجالاتها في مجالات متعددة ولا عن طيبوبة وكرم أهلها، كل من عاش في مدينة تازة أيام وهجها حينما كانت معالمها المدنية والحضرية بادية لكل زائر، سيصاب بذهول ممزوج بالمرارة من هول ما أصبحت تعيشه من فوضى في كل شوارعها وأزقتها، مدينة أصبحت شيئا فشيئا تتحول من مجال حضري إلى مجال قروي، مدينة ضيعت موعدها مع التنمية، وتحولت بعد سنوات عجاف إلى مطرح للنفايات منتشرة هنا وهناك وحفر في كل زاوية ومكان، شوارع أغلقت بالكامل تم احتلالها من طرف الباعة غير المنتظمين وأرصفة للراجلين أصبحت ملكا لأرباب بعض المقاهي ومحلات الأكلات الخفيفة، و كأن مدينة بوابة شرق المغرب تنتظر عنقاء جديدة حتى تنبعث من رمادها أو أنها تنتظر " غودو" صامويل بيكيت ليخلصها من مغتصبيها، بل أن الفوضى والعبث الذي تعيشه المدينة هي تجسيد واقعي لمسرحية عبثية بدأت فصولها منذ سنوات خلت، مدينة أصابها الجمود والنسيان، حتى تازة العليا وأسوارها التاريخية التي تحرسها سأمت من طول انتظار ...مدينة أصابها حصار التنمية فاكتفت بتحويل شوارعها إلى أسواق عشوائية ومحلاتها إلى مقاهي في كل ركن وزاوية وتم اغتيال حدائقها وتحويل إحداها "حديقة البلدية " إلى ساحة إسمنتية تعكس عقلية القائمين على تسيير شؤون هذه الحاضرة التاريخية، عقلية ينعدم فيها الحس الجمالي والبعد الإيكولوجي مما جعل "الحديقة الساحة" تتحول من متنفس إلى "سوق بشري" لا مفر لساكنة تازة من التجمع فيه في غياب بديل آخر وسط المدينة.
هذه المدينة التي ولدنا فيها ولا تزال أحياؤها شاهدة على طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا، حي بيت غلام، ساحة الطيران، جنان السبيل، المارشي، بين الجرادي، دوار عياد، الزاوية الكبشية، الجامع لكبير، وحي الكوشة ...ولا تزال شوارعها وأزقتها موشومة بأعمالنا الصبيانية ولا تزال عدة أماكن تحمل بصماتنا فالذاكرة لا تتعثر إلا بأماكن أحببناها بكل صدق، فيدعونا الحنين رغما عنا، والحنين هو وسيلتنا الوحيدة حين تبتلع الخيبة ما كنا نحلم أن تكونه مدينتنا.
خيبة مدينة تازة هو ما وصلت إليه من إقصاء وتهميش، بسبب غياب إرادة حقيقية للمجالس المنتخبة في تنمية المدينة ومن غياب دور الإدارات والوزارات المعنية في جلب الاستثمار وتجهيز البنيات التحتية وإقامة الأوراش التنموية الكبرى، خصوصا وأن مدينة تازة لها من المؤهلات ما يجعلها تضاهي كبريات مدن المملكة.
إن تجميد مدينة تازة هو احتقار معلن لأهلها وساكنتها ومثقفيها وتاريخها المجيد، ويبدو أن مسؤوليها لم يستوعبوا أو بالأحرى لا يريدون استيعاب مضامين الدستور الجديد في شقه المتعلق بالجهوية المتقدمة كأسلوب جديد في الإدارة من أجل تسريع عملية التنمية واستفادة شباب المنطقة الذي يعاني العطالة والفقر والتهميش من خيرات ومشاريع مناطقهم.
ولأن هناك مسافة فاصلة ما بين التنظير والتطبيق، فلا تزال مضامين التنمية والحكامة الجيدة والرشيدة رهينة بتوفر الرقابة والجدية والإرادة الحقيقية من طرف الإدارات والمجالس المنتخبة.
حتى ولو ظلت مدينة الثريا تناجي خيباتها ماب ين سوء التسيير والتدبير وعناد واقع يرفض الارتقاء، لكنها ستظل مهما حاولوا تهميشها شامخة في أعين أبنائها.