الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: تقرير جطو كان انتقائيا، قلص من دائرة الزلزال وجعله مجرد إجراء تقني

صافي الدين البدالي: تقرير جطو كان انتقائيا، قلص من دائرة الزلزال وجعله مجرد إجراء تقني

الزلزال هو مفهوم له ارتباط بارتجاجات الأرض، أي يحرك الأرض وما في باطنها.. أما الزلزال السياسي فإنه يعني من الناحية الإبستمولوجية، الهزة العنيفة وسط المشهد السياسي على جميع المستويات. ولما اهتزت جبال الريف وأخرجت شبابها ورجالها ونساءها للتظاهر والاحتجاج ضد الحكرة والإقصاء والتهمبش وضد الفساد ونهب المال العام، على إثر اغتيال محسن فكري، ومعهم المغاربة قاطبة الذين خرجوا في مسيرات حاشدة وطنيا وجهويا و محليا، تضامنا مع جماهير الحسيمة والمناطق المجاورة لها في مطالبهم العادلة، والتي هي مطالب جميع المغاربة وضد سياسة حكومية لم تستطع التجاوب مع مطالب المواطنين والمواطنات بإقليم الحسيمة والمناطق المجاورة لها بالريف وبكل المناطق المغربية التي لا تزال تعيش شبح الهشاشة والعزلة.

كان ذلك بداية زلزال اجتماعي لم تستطع الحكومة الجديدة/ القديمة بأغلبيتها البرلمانية ومعارضتها المخزنية مواجهة بداية هذا الزلزال والاستجابة الفورية للمطالب التي هي مطالب مشروعة ممتدة من واقع مزر أصبح يعيشه أغلب المغاربة، فاختارت أسلوب التخوين والقمع والمتابعات المتعددة والمتنوعة للمتظاهرين وللإعلاميين وللمحامين، مما جعل الحراك يتخذ مناحي التصعيد والامتداد إلى مناطق أخرى بالبلاد. وانتظر الشعب المغربي ما قد تسفر عنه نتائج التحقيق والزيارات المكوكية للجان التفتيش من قرارات مزلزلة للمشهد السياسي، أي محاكمة كل المتورطين فيما آلت إليه الأوضاع في البلاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفنيا وأمنا وأمانا..

لكن الزلزال جاء يوم الثلاثاء الماضي على شكل إعفاء بعض الوزراء وبعض المسئولين على خلفية أنهم كانوا في الحكومة السابقة ولم يقوموا بالمطلوب فيما يخص مجموعة من المشاريع التي تم إقراراها بالحسيمة منذ سنوات، وذلك بناء على تقرير إدريس جطو الذي كان بدوره انتقائيا لتقليص دائرة الزلزال ليصبح إجراء تقنيا، وإلا لم يمس الإعفاء وزير الفلاحة والصيد البحري؟ لأن اغتيال محسن فكري كان هو الشرارة الأولى في الحراك لارتباط اغتياله بلوبيات الصيد البحري بالمنطقة؟ وهل حكومة بنكيران لم تكن مسؤولية عن اندلاع حراك الريف؟ ألم تكن مسؤولة عن استمرار الوضع المأساوي الذي يعيشه المغرب؟ فلم لم تشمل الإعفاءات وزراء العدالة التنمية؟

إن ما جاء من إعفاءات دون محاكمة ولا متابعات قضائية ودون أنصاف ضحايا شطط الحكومة في استعمالها لسلطتها ضد أصوات الجماهير المطالبة برحيل الفساد والمفسدين وناهبي المال العام والثروات الطبيعية البحرية والبرية ومن معهم عن الساحة السياسية ودون إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات بالريف، ستظل عملية ذات محدودية لا يمكنها امتصاص الغضب الشعبي الذي يتأجج يوما بعد يوم .

إن الحل الأمثل لإخراج المغرب من عنق الزجاجة هو الزلزال الحقيقي على جميع المستويات، أي التغيير الجذري، الذي يسعى إليه اليسار ومعه القوى الديمقراطية في المغرب، وبناء الدولة الحديثة قوامها العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب، وإرساء ديمقراطية حقيقية تسمح للشعب المغربي تقرير مصيره بنفسه.