قلت للصديق الذي استعجلني على مناقشة وحدة اليسار وشروطها ومتطلباتها ونحن نتجاذب أطراف الحدث حول مائدة اسمنتية بالمقصف المكشوف بكلية الحقوق بأكدال بالرباط: لن نتقدم قيد أنملة إذا لم نحدد بدقة طبيعة أزمة اليسار الآن، وكما تراكمت على امتداد زمني يفوق العشر سنوات على الأقل ".
قال وكيف تحددها من جديد -هذه الأزمة-وقد أشبعناها تحديدا على امتداد كل هذه السنوات ولا يزداد فهمنا إلا اضطرابا وغموضا ؟
قلت: أنا اليوم ميال إلى تحديدها على هذا الشكل :
انها أزمة الانفصام الحاصل بين الحق الحقيقة من جهة والعدد من جهة اخرى .
قال: أراك تزيد الأمر غموضا واضطرابا .
قلت: اليسار يمتلك إلى جانبه قيمة الحق والحقيقة
ولكن يعوزه العدد، تعوزه القدرة على كسب أصوات الأعداد . احسبه مثلا بأعداد لناخبين .
ثم مضيت في التوضيح قائلا " "الإشكالية هي في تقديري كما يلي :انه لا يمكننا أن ننزوي الى جانب قصي ونعض بالنواجد على حقيقتنا لا يهمنا لإقناع الجموع بها. سيكون ذلك نخبوية جوفاء لاتليق بهوية اليسار .ولا يمكن أن نتنازل عن حقيقتنا وقيمنا ونتحول إلى مصطادي أصوات بأي ثمن. سيكون ذلك انتهازية فجة لا تليق بتراث اليسار وتاريخه .
الذين جربوا المسلك الأول من أبناء اليسار (معانقة الحقيقة في ركن قصي ) تحولوا الى نوع من مجاذيب السياسة يلوكون الكلام صباح مساء في قاعات مقاهي ملآى بالدخان .حيث يتحول الفكر الاشتراكي بدوره، على عمقه وقوته، مع مرور الوقت إلى مجرد دخان كثيف يحجب الرؤية ويحنط الحقيقة.
والذين جربوا المسلك الثاني من أحزاب اليسار (اصطياد الأصوات بأي ثمن ) انتهوا إلى فشل ذريع " لاهم فرحوا بالأصوات ولا هم بقوا أقوياء بقوة الفكرة وحقيقة القيم -على الأقل- التي حملوها في السابق.
وأنهيت التشخيص لمحدثي قائلا: "ما لن نصالح الحقيقة والأعداد فسنبقى نراوح مكاننا" .
تلك هي المهمة الأولى والكبيرة لكل عائلة اليسار اليوم.