إقدام الملك محمد السادس يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017على إعفاء مجموعة من الوزراء والموظفين السامين، وعلى التعهد بعدم إسناد أية مهمة حكومية لوزراء سابقين ،يعتبر خطوة إيجابية على طريق إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتسريع انجاز أوراش التنمية والتجاوب مع احتجاجات الشارع التي طال أمدها وبشكل غير مسبوق .ولا شك أن الأحزاب السياسية والمسؤولين في الحكومة والإدارة وكل المتدخلين في تدبير الشأن العام،قد التقطوا الرسالة الموجهة إليهم عبر هذا القرار ، ولا شك ان التفاؤل قد خيم على المغاربة وينتظرون سقوط رؤوس أخرى يعيشون معها في جماعاتهم وأقاليمهم وجهاتهم.
لكن من السابق لأوانه الحديث عن زلزال سياسي ما دام بنيان الفساد لأحزابنا السياسية له القدرة على المقاومة والاستمرار.
فقد تتراجع بعض الرموز أو الزعامات إلى الخلف لكن شبكة الفساد تلتحم وتتجذر. قد تتغير مكونات الأغلبية ولكن لا بصمة لها في التنمية تذكر. فأحزابنا منشغلة بحرب المواقع ، وبدون برامج حقيقية ولا استراتيجيات لمواجهة التخلف. واستقطبت قواعدها بالمال والدين دون وعي ولا تأطير . وجندتها للعنف لخدمة مصالح قياداتها الضيقة. كما أن الادارة الترابيةالمفروض فيها أن تلعب دور الحياد تتدخل لخدمة هذا البنيان الفاسد .
الزلزال الحقيقي الذي يزعزع كيان هذا البنيان هو التعبئة الوطنية لمحاربة الفساد الانتخابي، هورفع الوصاية عن الاحزاب وضمان استقلاليتها والكف عن صناعتها، هو تحديث الادارة عوض الاستمرار في مخزنتها. هو ديمومة المحاسبة التي تعطي للمواطن الثقة في المؤسسات وفي الادارة وتعفيه من الاحتجاجات.وهذه الخطوات ستمكن النخب والأطر من الانخراط في العمل السياسي عوض النفور منه وستكون برصيدها المعرفي وخبراتها مصدر إغناء للبرامج الحزبية والحكومية وللمجهود التنموي.
الزلزال الحقيقي هو إلغاء كل أشكال الريع السياسي، الذي يعيد للتطوع معناه الحقيقي في بعده الوطني والانساني، وهو الذي سيساهم في التقليص من عدد الاحزاب التي استغلت مبدأ التعددية لترتزق منها.
والزلزال الحقيقي هو إضافة تقييد استفادة الاحزاب من الدعم المالي بعدم تورط المنتخبين والوزراء المنتمين اليها في الاختلاسات أو سوء التدبير،حتى تضطر الاحزاب إلى تتبع منتخبيها ومحاسبتهم وتكوينهم وقبل ذلك التوفق في اختيارهم.والزلزال الحقيقي هو تبني ثورة ثقافية يكون التعليم والاعلام من أدواتها لتنمية القيم الوطنية والانسانية ، وتكون المسئولية من محاورها .
إن الزلزال الحقيقي هو توسيع حقيقي لصلاحيات السلطة التنفيذية التي تستمد سلطتها من الشعب وعدم الخلط بينها وبين سلطة الملك، التي نريدها أن تلعب الدور التحكيمي بين المؤسسات الدستورية.
لقد عاقب الملك من تخاذل في تنفيد مشاريع الحسيمة، لكن العديد من المشاريع لم تنجز في عدة جماعات ترابية فهل تحتاج بدورها إلى الاحتجاج لتخرج إلى الوجود، أم أننا سندخل بعد هذا القرار مرحلة جديدة ؟
المستقبل سيجيب.