تستمد الدولة قوتها من شرعية ما تقوم به لصالح مواطنيها في إطار تعاقد تقوم بموجبه الدولة بتوفير كل الخدمات بما فيها مشاريع التنمية ومكافحة الفقر والمرض والجهل والأمية والجريمة، ويقوم المواطن بأداء الضرائب المفروضة في وقتها دون تأخير أو تهرب أو تمويه. كما تحرص الدولة على تقوية شرعيتها بترسيخ الحريات العامة والفردية، وذلك من خلال سن قوانين واضحة تحمي هذه الحريات وتعاقب كل من يتجرأ على الإخلال بها أو منعها تحت ذريعة ما.
في نفس السياق تتطور شرعية الدولة بالعمل الدؤوب على تطوير مؤسساتها، تقنين المسؤوليات، توزيع الأدوار، محاسبة المشرفين على الأداء دون تمييز بحسب المناصب أو الوظائف أو حجم المسؤوليات.. تقوية دور المجتمع المدني في مراقبة أداء هذه المؤسسات، تشجيع التعبير الحر عن الرأي السياسي الذي لا يمتح من لغة العنف أو التهديد او الابتزاز، توسيع هامش الصحافة المستقلة التي لا ترتبط بالأحزاب العاملة في النسق السياسي، كما يقوم الموظف بأداء واجبه بكل تجرد من أية نزعة أو ميولات أو خدمة مصالح خاصة أو شخصية، وسيكون المواطن بهذا التحديد مواليا بشكل لا مشروط لدولته، منافحا عن شرعيتها، داعما لبرامجها، منخرطا في أهدافها ومشاريعها..
تجديد التعاقد باستمرار هو الضمانة الوحيدة لتجاوز الاختلالات التي يمكن أن تتسرب لجسم الدولة، عزل المفسدين، محاكماتهم إذا ثبت تقصيرهم المقصود، منح الكفاءات فرص الظهور في إطار مبدأ الإنصاف وتفعيله بغض النظر عن الانتماءات الحزبية الضيقة التي يمكن أن تهمش الأطر الحقيقية وتضع مكانها الرداءة التي تجلب الفشل من داخل العمل المؤسساتي وتخلق النفور في نفوس الناس، وتشككهم في شرعية الدولة ومشروعيتها...