عادة ما يكون طرح القضايا ذات العلاقة بالدين والسياسة قائماً على العموميات فقط دون تناوله الضوابط الزمانية والمكانية. وهذا كان سبباً خفياً لتغلغل بعض الأفكار "الفارسية" في المجتمع العربي دون فهمها. وما هو جدير لأن يخضع لتفسير العقل العربي وليس نقلاً عن التاريخ الفارسي، هو مفهوم "ولاية الفقيه" ومدى قدرة المعارضة الإيرانية على تجاوز هذه الولاية للوصول إلى سدة الحكم في إيران؟!.
ولاية الفقيه: يعتقد الفرس بأنه لا يجوز أن تخلوا الأرض من الإمام المعصوم، فهو من يملك الدين الصحيح ولا أحد غيره، وبعد دخوله "سرداب الغيبة"، لم يستطع أحدٌ النيابة عنه بسبب صعوبة تحقيق شرط الإتيان بالمعجزة الكبرى. وبعد ذلك شهدت الولاية ثلاث مراحل مُتعاقبة، وهي:
(1) فصل الدين عن الحياة: مرحلة إلغاء الإجتهاد الديني والفكري والإكتفاء بالروايات والقصص لحين عودة الإمام المعصوم ومعه الدين الصحيح. ومع مرور الزمن؛ سادت روح الإحتجاج على كافة الأنظمة القانونية المُتعاقبة لإعتقاد أن الحياة كلها باطلة في دولة الظلم.
(2) الشراكة بين السياسة والدين: وهي المرحلة بعدما فشلت الدولة في المضي قدماً لمواجهة الأخطار، حينها استعان الشاه "طهماسب" الصفوي برجل دين لمشاركته في الحكم كنائب للإمام الغائب المعصوم من أجل جباية الأموال وإعلان الجهاد وإعادة صلاة الجمعة للتواصل مع الشعب عبر الخطبة الإسبوعية.
(3) تقديم السياسة على الدين: وهي المرحلة التي تم تقنينها على شكل دستور مُلزم بعد أن استطاع الخميني إلغاء شرط الإتيان بالمعجزة الكبرى للنيابة عن الإمام المعصوم والإكتفاء بشرط الإمام العادل والعالم بالسياسة والقانون مع بقاء العصمة.
وهنا يُمكن القول.. أن جميع مراحل ولاية الفقيه الفارسية هي خطوات إنتقالية لما بعد غياب الإمام المعصوم، وليست تطورية تُلغي ما قبلها. حيث أن فكرة الإمام الغائب "مالك الدين" مترسخة في عقول وقلوب جميع الفرس في المراحل الثلاث.
كما أن المنظومة السياسية الإيرانية لم تستطع الخروج عن المفاهيم الدينية الفارسية، وأن إختلاف المراحل المذكورة محصور فقط في شروط النيابة عن الإمام المعصوم ومدى صلاحيات هذه النيابة ما بين الدين والسياسة.
وهذا هو المؤشر الحقيقي لفشل نظام الشاه رضا بهلوي الذي تجاوز المرحلتين الأولى والثانية، بعد أن ضرب معتقدات الفرس بالإمام المعصوم عرض الحائط العلماني الذي سرعان ما كان هو سبباً لسقوطه عن عرش الإمبراطورية الإيرانية.
بينما بدأ الخميني منظومته الحاكمة إستكمالاً لمرحلة جده الصفوي الشاه طهماسب، واستطاع إحكام السيطرة بإسم الإمام المعصوم على المنظومة الإقتصادية عبر (جباية الأموال)، والمنظومة العسكرية عبر (الجهاد)، والمنظومة الإعلامية عبر منبر (صلاة الجمعة) الذي كان بمثابة نشرة الأخبار الرسمية لإيصال الرسائل الحكومية للشعب.
والشاهد هنا.. حول ضرورة إعادة النظر في جميع برامج المعارضة الإيرانية (الفارسية) من خلال طرح مجموعة من الأسئلة المدروسة منهجياً حول مستقبل نظرية الإمام المعصوم ومن ينوب عنه في مرحلة ما بعد نظام الخميني. ويجب النظر بعين أكثر وسعاً إلى بلاد فارس التي ينتظر شعبها الإمام المعصوم وإيران كنظام سياسي مُنتخب من هذا الشعب الفارسي لتحقيق غاياته الدنيوية وفقاً للمعتقدات الفارسية.
ولقولي خلاصة... أن ما تدعيه المعارضة الإيرانية بأنها أخذت تقترب من زمام السلطة الإيرانية وفقاً لمفاهيم الديموقراطية والتعددية العلمانية، هو أمر من محض الخيال ونحن في زمن اندثرت فيه فكرة القضاء على الأديان والأفكار. وربما هي أوهام تعيشها المعارضة الإيرانية وكأنهم دخلوا "سرداب الغيبة" من جديد لغايات الإستهلاك الإعلامي أمام العرب.