بعد نشر وزارة التربية الوطنيَّة للوائح المؤسسات الخاصة التي تلاعبت بنقط المراقبة المستمرة، ها هي تنشر لوائح تغيُّبات الأساتذة خلال شهر شتنبر 2017. وماذا بعد؟ هل هو الجبل الذي تمخض فولد فأراً؟
مجموع المخططات التحديثية الجارية منذ ما يقارب نصف سنة محمودة والشفافيَّة على مستوى التتبع والمراقبة والتسيِّير كذلك مطلوبة، لكن أريد إجابة واضحة من التقنويين القائمين على كل المخططات الممولة من جيوب المواطنين: ما مكان التربية والتعليم من كل هذا؟
نشرت جريدة المساء خبراً مفاده أنه بعد الإعلان عن مسطرة التقاعد النسبي (والذي يمنح الحق لفئة الذكور من رجال التعليم تقاعداً نسبيا بفائدة مئوية بعد ثلاثة عقود من العمل، وللإناث بعد 21 سنة) تلقت الوزارة ما يقارب 12 ألف طلب في ظرف وجيز جداً، ممَّا يعني أن نسبة الإحالة على المعاش هذا الموسم سترتفع درجات قصوى، وقد سبق للحكومة أن أعلنت عزمها التعاقد مع 100 ألف مدرس جديد: السؤال المطلوب ألن ينعكس هذا الوضع الانتقالي على العملية التعليمية - التعلمية ككل؟ أين نحن من التربيَّة على التعلم؟ هل يفهم التقنويون أنه لو تم الاحتفاظ بالسَّقف القديم للتقاعد النِّسبي أي 21 سنة للذكور و 15 سنة للإناث لغادر الجميع؟
نعم سيغادرون ليس لأنهم ضد التحديث والشفافيَّة والرُّقي بوضع المدرسة العموميَّة إنما لأن شروط العمل لم تعد مساعدة على ممارسة مهنة التدريس وفق المعايِّير البيداغوجيَّة اللاَّزمة.
ارحمونا أيها التقنويون برأيكم ومشروعكم وتصوركم لمناقشته ومقارعة الحجة بالحجة!
عادة ما نجد في قطاعات أخرى تقليداً عريقاً رسخته السلطات الاستعماريَّة والذي يقضي بمنحة نقل الخبرة، وهو تقليد لا يزال معمولاً به في بعض القطاعات الانتاجيَّة غير التربيَّة (لا يتعلق الأمر هنا بطلب منحة نقل الخبرة، وإنما بالمأساة الحقيقية لمدرسة الوطن): كيف يمكن أن نضمن نقل الخبرة للفئة الجديدة المتعاقدة مع الأكاديميات الجهويَّة والتي تعيش تحت ضغوط جمَّة وخروقات سافرة، مع العلم أنها لم تتلقى أي تكوين أو استعداد نفسي لحصول الانتقال المهني؟
ما هي السيَّاسة العامة التي تنهجها الوزارة ومعها الحكومة لرسم صورة مدرسة المستقبل؟ بل ما هو المشروع المجتمعي العام الذي على أساسه تم تدشين سلسلة عمليَّات تحديث ملحوظة في مختلف القطاعات ومناحي الحياة الاجتماعيَّة؟ هل للسلطة السيَّاسيَّة تقنويون يمتلكون تصوراً واضحاً غير معلن كحكومة الظِّل لتسيير الشؤون العامة على أرضيَّة واضحة؟ إذا كان مشروع التقنويين مبنياً على تصور واضح فما عليهم إلا أن يطرحوه للنِّقاش البناء والجدي، أما الاكتفاء باستنساخ تجارب ناجحة دون استنساخ روحها الدِّيمقراطي السيَّاسي فلن يجدي في شيء بل سيزيد من تجميل صورة السلطة السيَّاسيَّة لا غير. التنميَّة الحقيقيَّة والتقدم المطلوب ينبني على مشروع عام يطرح للتداول أمام المواطنين.
كتاب الرأي