الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

هكذا تحدث الملك محمد الخامس في افتتاح أول مجلس وطني استشاري ترأسه بنبركة (وثيقة)

هكذا تحدث الملك محمد الخامس في افتتاح أول مجلس وطني استشاري ترأسه بنبركة (وثيقة)

تعد الخطب الملكية في افتتاح جلسات مجلس النواب، تقليدا سنويا، تؤطر من خلاله عمل السلطة التشريعية، من هذا المنطلق يأتي خطاب الجمعة 13 أكتوبر 2017، التي سيلقي فيها الملك محمد السادس خطابا برسم السنة التشريعية موعدا قارا لافتتاح أشغال مجلس النواب..

جريدة "أنفاس بريس"، ربطت الحاضر بالماضي، وقامت بعملية تنقيب في الأرشيف المتعلق بمجلس النواب، لتنشر لقرائها وثيقة تتعلق بأول خطاب للملك الراحل محمد الخامس، بمناسبة افتتاح المجلس الوطني الاستشاري، وكان يترأسه الراحل المهدي بنبركة، وذلك يوم الإثنين 8 ربيع الثاني عام 1376 الموافق 12 نونبر سنة 1956..

"حضرات السادة المحترمين

نحييكم تحية مباركة طيبة، و نرحب بوفادتكم من مختلف أنحاء مملكتنا الشريفة لتمثيل الأمة المغربية في هذا المجلس الموقر، ونسأل الله أن يوفقكم فيما أنتم بصدده من النصح حتى تؤدوا مهمتكم على الوجه الأكمل.

ولأنكم تعلمون رغبتنا في النهوض بهذه الأمة التي حملتنا أمرها ووضعت ثقتها فينا، لرفع مستواها ومستوى أفرادها حتى تنال مكانتها الجديرة بتاريخها المجيد، وحتى يتمتع أفرادها بسائر الحقوق ويتهيأوا للقيام بكل الواجبات.

ومنذ أن حقق الله أمالنا جميعا بالحصول على نعمة الاستقلال، ونحن نبذل الجهود لإنجاز ما وجدنا السبيل لإنجازه من مختلف الإصلاحات الضرورية التي طالما طالبنا بها وطالبت بها الأمة أيضا، وضحينا كما ضحت هي في سبيل الوصول إليها. وقد كان في مقدمة ما رمينا إليه توجيه شعبنا نحو المشاركة في الحكم بواسطة ممثلين أكفاء، وكان لا بد لذلك من اتخاذ مراحل تدريجية، لإقرار ما نريد تحقيقه لشعبنا من ديمقراطية، على أسس من النضج السياسي والتهذيب الوطني والوعي الاجتماعي.

وأن تأسيس هذا المجلس لحدث عظيم بالنسبة لبلادنا بل إنه من أهم الأحداث التي تمت في عهد الاستقلال، ونحن لا ندعي له أكثر من كونه خطوة أولى نحو الهدف العالي المنشود، أما هذا الهدف الذي لن ندخر جهدا في العمل على إبلاغ شعبنا إليه فهو حياة نيابية بالمعنى الصحيح، تمكن الشعب من تدبير الشؤون العامة، في دائرة ملكية دستورية، تضمن المساواة والحرية والعدل للأمة أفرادا وجماعات حتى يتم بذلك خلق ديمقراطية مغربية بناءة، تتفق مع ديننا الحنيف الذي جعل الناس سواسية كأسنان المشط، ومع القرآن الكريم الذي جعل الأمر شورى بين المؤمنين وأمر نبيه فقال له (وشاورهم في الأمر) و حثنا جميعا على التعاون في البناء حين قال: (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ومع تقاليدنا الوطنية التي لم تعرف من أنظمة الحكم غير إمامة الإسلام القائمة على العدل والمعاملة بالحسنى للجميع.

و قد علمنا على أن تتمثل في هذا المجلس كل النزعات السياسية الوطنية وسائر المهن الحرة ومختلف المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى يكون مرآة صافية لحياة الأمة ومجالا لعرض أفكارها، وقد تحرينا –علم الله- فلم نراع فيمن اختارناهم مباشرة إلا الكفاءة والخبرة بالشؤون التي يمثلونها، وليس معنى ذلك إننا مطمئنون لهذه الطريقة، بل إننا متيقنون أن الانتخابات الحرة، هي أقوم وأنجع سبيل بضمان إقامة ديمقراطية سليمة، ونحن عازمون بحول الله على تغيير أوضاع هذا المجلس بمجرد ما تتيسر السبل لذلك، من تمهيد للطريق، ووضع إطار للحياة النيابية، وهكذا ستتبدل طريقة اختيار الأعضاء من التعيين المباشر أو من قوائم الهيئات إلى أسلوب الانتخابات الحر، ويزداد إلى جانب الاستشارة حق الاقتراح للمشروعات ومراقبة أعمال الحكومة وإبداء الملاحظات في السياسة العامة للدولة، وإننا لنعتبر هذا المجلس في طوره الأول بمثابة ميدان يتبارى فيه الأعضاء على ممارسة تجربة لا بد من المرور بها، للمشاركة في الشؤون العامة والاهتمام بها، كما أن مراقبة الشعب لأعمالهم عن كثب، ليبعث فيه حاسة الملاحظات والعناية الضروريين لغرس الروح الديمقراطية، وسندعم ذلك قبل كل شيء بما سنقوم به من منظمات أساسية في القرية وفي المدينة تأخذ بيد الأمة وترشدها إلى سبيل المشاركة في تدبير شؤونها، حتى يتم بناء صرح الديمقراطية من حيث يجب أن يبدأ البناء.

وأن الأمة لتنظر إلى هذا المجلس لترى ماذا سيقوم به أعضاؤه، فنرجوا أن تكونوا عند حسن ظننا بكم و أن تؤدوا الأمانة على أحسن طريق، فلا تألوا جهدا في خدمة مصالح البلاد وبذل النصح من أجلها، واستجواب الوزراء، ومبادلة الرأي في كل المسائل التي ستعرض عليكم ولا سيما الاهتمام بمناقشة الميزانية العامة والإضافية والاهتمام بتحسين مواردهما والتأكد من جدوى مصاريفهما، وستجدون من الحرية الواسعة ما يفتح لكم مجال الأخذ والرد، لا يحد من ذلك إلا ما تفرضه الآداب واللياقة اللتان هما من أبرز صفات أمتنا والحمد لله، وما تستوجبه مصلحة البلاد من ترفع عن الخلاف، والأغراض الشخصية، ونظرة إلى القضايا القومية من أفق عال، لأن رائدنا جميعا هو خدمة وطننا والسعي في الصالح العام لأمتنا.

أن للأفراد في هذه الدنيا حقوقا طبيعية وشرعية، تقابلها واجبات عليهم أن يقوموا بها، فيجب أن يكون نظرنا جميعا منصبا على الأمرين معا فلا نفكر في الحقوق وحدها، كما اعتاد الناس أن يفعلوا اليوم، ونتجاهل الواجبات التي يعتبر الشعور بها، والقيام بأدائها، من أعظم مهمات الإنسان التي ترفع مقامه وتعلي شأنه ونحن نعتقد أن في أداء الكل لواجبه، حصولا فعليا للحقوق التي ينشدونها، لأن الثانية تستلزم الأولى، ومن جهة أخرى فإننا نرجوا مراعاة المرحلة التي تجتازها بلادنا، و معرفة ما يمكن تنفيذه وما يتعذر تحقيقه من الرغبات، فإن ذلك ضروري لعدم إضاعة الوقت، في دراسة مسائل لم يحن إبانها، أو لا يمكن في الوقت الحاضر إنجازها، وهو ما يفسح لنا ميدان العمل والنقاش في أهم المسائل التي يجب التعجيل بها وتنفيذها.

وإننا على بصيرة من أمر هذه الأمة وما تتطلبه في عاجلها وآجلها، لذلك فإننا نوجه حكومتنا لتقوم بكل ما يمكنها من أعمال في سبيل إسعاد المواطنين والخروج بالوطن من هذه المرحلة التي يجتازها اليوم، ولتواصل العمل على إقرار الأمن والحريات العامة وتنظيم القضاء وتقوية الجيش وتحسين المالية والنهوض بالاقتصاد الوطني وتعميم التعليم ورفع مستوى العامل والفلاح وتقوية الإنتاج وفسح أبواب الازدهار التجاري وتصنيع البلاد والاهتمام بالإعمار بإيجاد المساكن، وتقوية الأواصر مع الدول الصديقة والمساهمة في توطيد دعائم الحرية والسلم في العالم إلى غير ذلك من المسائل التي تشغل بالنا، ولن يقر لنا حال حتى نراها منجزة قائمة وهي التي يجب أن تشغل بالكم أيضا، حتى يكون اهتمامنا واحدا وعملنا بالتبع لذلك مثمرا.

أيها الأعضاء المحترمون، أننا نفتتح مجلسكم اليوم وندعوكم للقيام بواجبكم ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون) والله يرعانا وإياكم ويسدد خطانا جميعا إنه نعم المولى  ونعم النصير. والسلام عليكم ورحمة الله".