الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: أوروبا وشبح الانفصال

صافي الدين البدالي: أوروبا وشبح الانفصال

لقد كانت الحرب الباردة سببا في تماسك الأقليات العرقية والإتنية في إطار فيدراليات منسجمة ومتماسكة وقوية اقتصاديا واجتماعيا في أورويا الشرقية وكذلك الغربية، مثل الجمهورية اليوغوسلافية والجمهورية التشكسلوفاكية وجزيرة قبرص، وغيرهن في منطقة البلطيق. إلا أن الدول الغربية بقيادة أمريكا كانت ترى في هذه الكيانات خطرا عليها على المستوى الاستراتيجي، لأنها كانت ميالة إلى الاتحاد السوفيتي أو أنها تتبنى موقف عدم الانحياز مثل تشيكوسلوفاكيا. وبدأ الأوروبيون يتربصون بمكونات هذه الفيدراليات من أقليات ودعمها من أجل الانفصال تحت عناوين متعددة، الحرية العرقية والقومية، حرية الأديان والديمقراطية والتعددية، وذلك ما سيؤدي بيوغوسلافيا إلى تقاتل بين أبناء هذا البلد الواحد والمتآخين لأكثر من عدة مئات من السنين.. وارتكبت في تلك الحرب فضائع لا تقل بشاعة مما يقع الآن في سوريا وفي العراق وفي اليمن. وأدى هذا الاقتتال الذي ظل فتيله بيد الإمبريالية/ الصهيونية حتى انفصل عدد من الأقاليم عن الحكومة المركزية لتتشكل الآن كيانات ضعيفة تحت سيطرة الدول الغربية. أما بالنسبة لتشيكوسلوفاكيا، فبالرغم من نجاح السياسيين وأصحاب القرار من التشيك والسلوفاك في تحقيق الانفصال بين الشعبين، لكنهم فشلوا في تقسيم مشاعر السكان وإبعادهم عن بعضهم بعض، حيث ما زال التشيك يعتبرون أن السلوفاك الأقرب إلى قلوبهم، ونفس الشيء بالنسبة السلوفاكيين.

لقد أبدى الأوروبيون والأمريكان تأييدهم لهذه العمليات الانفصالية رغم ما خلفته من دمار ومن قتلى ومن جروح نفسية عميقة ستظل تتحكم في العلاقات مستقبلا. وامتدت أيادي الغرب، ومن يدور في فلكه، إلى تأييد ودعم أطروحة الانفصال في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا تحت نفس المبررات لعمليات الانفصال في شرق أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة. لكن لما طالب إقليم كتالونيا بالانتقال من الحكم الذاتي الذي حصل عليه عام 1931 م إلى الانفصال عن إسبانيا، تحرك الاتحاد الأوروبي ومن معه ضد هذا المطلب "الكاتالوني ، من قبيل دعم إسبانيا لمواجهة الانفصال وبالتهديد بعدم ضم هذا الإقليم في حالة الاستقلال إلى الاتحاد الأوروبي، وتحركت الحكومة المركزية لمنع الاستفتاء مستعملة جميع السلط القضائية والأمنية دون احترام لمشاعر الكتالونيين، و لم تتحرك جمعياتهم الحقوقية لإدانة الإجراءات التعسفية للحكومة الإسبانية. لكنهم يتحركون بسرعة حينما يتعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية، فالأمر عندهم هنا يختلف، إذ يستعملون أطروحة الانفصال بنفس التبريرات السابقة التي استعملوها لتقسيم جمهوريات بأوروبا ودول في الخليج وفي شمال إفريقيا.

ولقد تأكد بأن سعيهم هو انتزاع مصالح لهم على مستوى الاستراتيجي والتبادل التجاري والصيد البحري، وأيضا لمحاولة إضعاف هذا البلد الذي له كل المقومات البشرية والطبيعة ليكون بلدا له قوة اقتصادية منافسة، ولذلك فإنهم يتخوفون من إن استثمر المغرب هذه المقومات استثمارا حقيقيا فإنه سيكون منافسا قويا لأوروبا على مستوى الاقتصاد الإفريقي وعلى المستوى الاستراتيجي .