تستعد الجزائر هذه الأيام لإجراء انتخابات محلية، يراهن القائمون عليها بأن تكون محطة أخرى لاقتسام الغنائم والوظائف غير مبالين لا بمصلحة المواطن ولا الوطن، الذي يزداد ضعفا مع الأيام.
ليس من الهين، لرجل عايش قادة العصابات الحاكمة، وعرف طريقتهم في تدبير شؤون البلاد والعباد، أن ينسى للحظة واحدة، مسؤوليته الوطنية ولا الأخلاقية، التي هي الميزة الأساسية لأي إنسان عن غيره من مخلوقات الله.
ومع أن تداعيات السنوات العجاف، التي عشتها عاملا في جهاز المخابرات الجزائرية، لازالت تؤرقني وتؤلمني، فضلا عن أنها حرمتني من أعز ما يملك أي إنسان، وهو حفنة التراب التي ولد عليها وترعرع فيها، وتشرب فيها معاني الحياة الأولى، مع ذلك لم أغفل للحظة واحدة عن متابعة هموم بلدي، والعمل من موقعي، حيث أعيش في التعريف بقضاياه العادلة، وكشف ما يتعرض له شعبه الأبي من عمليات خيانة وصفقات تجري على حساب أمن البلاد وسيادتها.
ولكم حز في نفسي، وأنا أتابع تفاصيل مستجدات الحياة السياسية في بلادي، تغريدة السفير الأمريكي حديث العهد في الجزائر، حول ذكرى مجزرة بن طلحة، التي كنت قد كتبت عن ذكراها قبل أيام..
مبعث هذا الإحساس ليس لأن ديبلوماسيا أمريكيا يتحدث في حدث تاريخي شهدته الجزائر، وإنما لأن تلك المجازر والضحايا الذين ذهبوا جراءها، لم يُترجم حلمهم نحو الديمقراطية الحقيقية إلى أمر واقع، وظلت آلة التحكم والنظام المافيوزي هي السائدة في الجزائر.
ولعل أبرز دليل على ذلك، هو المنحى التنازلي الخطير للاقتصاد الجزائري، الذي ينذر بكارثة حقيقية خلال سنوات قليلة، بعد أن جف نبع النفط الغاز، وبدا أن الأسعار لم تعد في مستوى نسبة الفساد، مما يدفع مرة أخرى بالشعب ليكون حطب معركة جديدة بين العصابات الطامحة للمزيد من نهب ما تبقى من ثروات هذه البلاد التي خصها الله بشعب من أهم صفاته الأنفة، وعدم الركوع لغير الله.
لست من دعاة الفوضى، ولا من أولئك الذين يتمعشون بالدعوة للحروب الأهلية، ولكنني طائر غريب، يحمل بين ثناياه ولاء لوطنه وحبا لأهله ورغبة في خدمتهم بما يليق ببني البشر، وهو خيار عاهدت الله عليه، واخترت المنفى، رغم قسوته أحيانا، من أجله.
من هذه القناعة، التي تزداد مع الأيام رسوخا، أعتقد أن مساعي الأجنحة التقليدية سواء المقربة من الرئيس الميت، أو من القيادات العسكرية الهرمة، او من القيادات الأمنية المعزولة، لترك مياه السياسة الجزائرية راكدة متجمدة، في معاندة للتطورات السياسية التي تعصف بالمنطقة، كل هذه المساعي، لم تعد تجدي نفعا، ولا أعتقد أن بمقدورها وقف عقارب الزمن، المتجهة دوما إلى الأمام.
لا مناص من التغيير، التغيير الذي يليق بمستوى الشعب الجزائري، وحلمه إلى الحرية والكرامة، والسيادة الحقيقية على أرضه بعيدا عن الاختلاسات الداخلية، والأطماع الاستعمارية القديم منها والحديث.
كتاب الرأي