الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد مصدق: أوهام الانفصال

عبد المجيد مصدق: أوهام الانفصال

تاريخيا حق تقرير مصير الشعوب لم يكن له أساس قانوني باعتباره نظرية سياسية ذات محتوى اخلاقي، وببروز قوى جديدة على المسرح الدولي في الحربين العالميتين كان لا بد من تفكيك الإمبراطوريات المنهزمة، فظهر إلى الوجود هذا المصطلح في مبادئ الرئيس الامريكي ويلسون وفِي نصوص المنتظم الدولي والقانون الدولي عبر فترات من النصف الأول من القرن الماضي.. لكن تأويل المبدأ ذهب منحى مصلحة كل جهة والهدف المتوخى منه، لذلك لم يكن هناك تعريف دقيق له أو صيغة مثلى، (حكم ذاتي مع حق التصرف في الثروة، رفع الوصاية الاممية، تصفية الاستعمار....).. لقد كان الأصل في تطبيق مبدأ حق تقرير المصير من لدن أغلبية الدول أن يكون داخل الحدود القائمة للدول المعنية، (تجمع القوميات، الإقرار بممارسة الهوية الثقافية....).

بيد أن تطورات أوضاع حقوق الإنسان، وارتفاع منسوب الوعي القومي نتيجة غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والمد المتنامي للشوفينية والعنصرية التي تغذيها القوى المهيمنة على الساحة الدولية، أدت إلى مرحلة تفكيك الدول على أساس قومي وعرقي وثقافي، وفق سقف هذا المبدأ لإضعافها وتفكيكها لحسابات سياسية واقتصادية.. كما أن هدا المبدأ يؤول عمليا حسب مصلحة دول المركز في حق دول المحيط/ الهامش، لتفكيك دول العالم الثالث ودول المعسكر الشرقي سابقا، أي أنه حق أريد به باطل، بينما ينظر إلى صيغة تطبيقه داخل أراضي الدول الكبرى على أساس حكم ذاتي أو فدرالية الدولة، أو حكم جهوي لأسباب منطقية تتعلق بالحفاظ على قوة الدولة الوطنية وتفادي مآسي تفكيك الثروات وهدرها ووحدة الموارد الاقتصادية لرفع قيمة عيش السكان وتفادي المجاعة والأمراض والأوبئة، وهو التطبيق السليم للمبدأ داخل الدولة الوطنية المدنية والديمقراطية التي ترتفع في سمائها المواطنة بعيدا عن الدين والعرق واللون....

لذلك فتطبيقه يسري بنظام الكيل بمكيالين، وهو ما نراه الآن كمثال في إسبانيا بمناسبة استفتاء إقليم كاتالونيا، وفِي منطقة الباسك مستقبلا، (إسبانيا من الداعمين لمبدأ تقرير مصير الصحراء المغربية)، وهناك الأصوات التي بدأت ترتفع في كاليفورنيا وتكساس من أجل الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقبلها في إيرلندا الشمالية واسكتلاندا ببريطانيا: (الدولتان الأنغلوساكسون ضد تقرير مصير الشعب الفلسطيني ومع تقرير مصير الشتات اليهودي على أرض فلسطين....!!؟)، وغيرهم من دول الشمال. وهنا يرتفع صوت القوة، أي حق تقرير المصير داخل إطار الدولة الموحدة (حكم ذاتي، فدرالية، حكم جهوي....)، أي إصباغه بصبغة سياسية بعيدا عن الأصل القانوني. والخلاصة أن موازين القوى هي المحدد لمضمون مبدأ حق تقرير المصير، أي الجانب السياسي والاقتصادي، وليس الجانب القانوني المفترى عليه من قبل القوى الكبرى، وقد بدأت بوادر الارتداد تزحف في عقر دار القوى الكبرى، وطال الزمن أو قصر ستكتوي بناره...

وخرافة بعض المثقفين المغاربة "التقدميين" لا قيمة لها أمام مبدأ الوحدة الترابية للأوطان، كما أن وجود ملف ما في المنتظم الأممي أو أي تنظيم جهوي أو قاري لا يعني أن له أساسا شرعيا ولا يبرر الحقيقة المغلوطة التي لا يوجد لها سند تاريخي...