زيارة وزير الخارجية الدنماركي، أنديرس صمويلسن، للمغرب تعتبر بداية لعهد جديد في العلاقات المغربية الدنماركية العريقة في التاريخ، والتي تجاوزت المائتين سنة، حيث كان أول سفير مغربي لدى الجالس على العرش في الدنمارك فريديريك الخامس يهودي مغربي اعتمده السلطان محمد بن عبد الله من أجل تطوير التبادل التجاري بين البلدين، بتاريخ 25 يوليوز 1767، وقع المغرب معاهدة مع الدنمارك، وكان من بين ما استورده المغرب آنذاك الأسلحة التي كان يحتاجها للدفاع عن مدنه الساحلية.
عبر التاريخ كان الملوك المرينيون والسعديون والعلويون يعتمدون على اليهود المغاربة في تطوير العلاقات التجارية مع العديد من الدول الأوروبية ..ولأجل هذا الغرض، اختار السلطان محمد بن عبد الله صمويل سنبل، وهو يهودي مغربي، لعب دورا كبيرا في تطوير العلاقات المغربية الدنماركية. ففي الوقت الذي كان يعاني فيه اليهود في أوروبا من شتى أنواع العنصرية، اعتمد عليهم جل السلاطين المغاربة، واعتبروهم مصدر ثروة.. ولعل العائلات اليهودية التي لعبت دورا مهما في تطوير العلاقات المغربية الأوروبية هي عائلة بلاش وناسيين وصامويل.
عرفت العلاقات المغربية جمودا خلال فترات متعددة، لكن الزيارة الحالية لوزير الخارجية الدنماركي، والمباحثات التي أجراها، والتصريحات التي أدلى بها الطرفان معا في الندوة الصحفية بالرباط، تعطي انطباعا إيجابيا لمستقبل العلاقات بين البلدين.
لقد أكد وزير الخارجية الدنماركي على رغبة بلده في تطوير التبادل التجاري بين البلدين، وهو مصمم على تشجيع الشركات الدنماركية للاستثمار في المغرب.. ومن أجل هذا الغرض تأتي الزيارة التي يقوم بها اليوم...
من دون شك هذه الزيارة الحالية يرغب وزير الخارجية الدنماركية أن يجعلها فرصة لطرح انشغالات أخرى تتعلق بدور المغرب في محاربة الهجرة السرية، والإرهاب والتطرف... وكذا ستكون فرصة للوزير الدنماركي لتأكيد دعم الدنمارك على استقرار المغرب كدولة استراتيجية في المنطقة، نظرا للعلاقات والشراكة المتقدمة التي تربطه بدول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة سيستغل الزيارة لامحالة لطرح العديد من القضايا التي كانت مجال حديث الصحافة الدنماركية، وبالخصوص قضية تورط بعض المغاربة في التطرف والإرهاب وصعوبة ترحيلهم في غياب تعاون أمني واتفاقيات بين البلدين، بالإضافة لمشكل القاصرين المغاربة في الدنمارك.
زيارة وزير الخارجية الدنماركي تعتبر نجاح كبير للدبلوماسية المغربية، وانتكاسة لخصوم الوحدة الترابية الذين سعوا منذ سنوات عرقلة استثمار الشركات الدنماركية في المغرب.
إذا المغرب في نظر وزير الخارجية الدنماركي شريك استراتيجي لأوروبا والدنمارك، وهذه الزيارة هي انطلاقة حقيقية لتعاون متقدم بين البلدين في جميع المجالات.
تجدر الإشارة كذلك أنه ستقام ندوة في شهر فبراير القادم في المكتبة الوطنية بمناسبة مرور قرنيين على العلاقات المغربية الدنماركية.. الندوة ستكون مناسبة لأساتذة من جامعة كوبنهاكن لتقديم مداخلات وتوقيع كتاب يؤرخ لهذه العلاقات التاريخية.
سأعود للكتابة عن الدور الذي لعبته عائلة صمويل اليهودي المغربي الذي كان أول سفير في الدنمارك.