ارتبطت صورة المناضل في أعين الناس بذاك الإنسان العنيد الذي يجيد أساليب الاحتجاج، فتراه دائما يرفع اللافتات ، و حاضرا في مختلف الوقفات، و إن طاله ضرب و تعنيف القوى العمومية له فإنه يعتبر ذالك قيمة مضافة يفتخر بها في مساره النضالي، أما إذا تم اعتقاله و التنكيل به في السجون، و خاض التجويع و التعطيش الاختياري بملء إرادته فتلك الشهادة بأن نضاله قد اكتمل.
فالمناضل بالفكر السائد، هو الذي يتبنى خطاب المعارضة، فيعيش ممزق الروح في صراع دائم مع مختلف القوى الحية من سلطة و باترونا و في أحيان كثيرة مع فئة كبيرة من المجتمع الذي للأسف يتبنى قضاياها و يدافع عنها ، و لكنها مع ذلك تحاربه لأنها لا تستسيغ شجاعته الفكرية لأنها تذكرها بجبنها و موتها الحي.
فارتبطت صورة المناضل في أعين الناس بذاك الشخص الذي يختار دائما الاصطفاف مع الأقلية و الدفاع عنها، و إن كلفه هذا الخيار حياته، فهو يراهن على الكفة الضعيفة الخاسرة و يمني نفسه بأنه قادر على قلب الموازين و إسماع صوتها فقط برفع لافتات الاحتجاج و بالصراخ كطفل صغير ألف الحصول على الحلوى و الألعاب المسلية بالتأثير على والديه بالبكاء و التمرغ في الوحل.
كما ارتبطت صورة المناضل عند عامة الناس، بنوع آخر من الأشخاص، و هو ذاك الانتهازي المنافق و المتسلق، الذي يستغل آلام و مآسي و سذاجة الناس للسيطرة عليهم، فيدغدغ مشاعرهم ،و يقدم نفسه إليهم كذاك المنقذ الذي سينهي كل معاناتهم، و لكنه في الحقيقة يسرق أحلامهم و يسرق إرادتهم و يسرق طموحهم و يسرق أموالهم ليمنحها لنفسه و للمقربين له.
و النضال في المغرب ظل حبيس هذين الصورتين النمطيتين. و من هنا، لا بد أن نتساءل، هل النضال يحتاج إلى أشخاص أقوياء أصحاء أحرار و طلقاء قادرون على خوض مسار التغيير الايجابي للمجتمع؟ أم أن النضال مبني على الصراع و التطاحن و الألم و تدمير و إقصاء الآخر أو تدمير الذات؟فمتى فشل المناضل في القضاء على خصمه سيخوض إضرابا عن الطعام و الشراب، و كأنه يتألم ليجعل آلامه تعذب الآخر و تؤرق ضميره كوسيلة وحيدة للانتقام منه و الانتصار عليه.
و من جهة أخرى، ما فائدة النضال إذا كان مبنيا على الاسترزاق و الخداع؟ ما فائدته إذا تحول النضال إلى آلة انتخابية للهيمنة على التمثيليات و الهيئات؟ ما فائدة النضال إذا لم يتعد اللسان و لم يلتزم في الأفعال؟
لهذا، سررت و أنا أستمع إلى العرض الذي قدمه الأخ نزار بركة لتقديم مشروعه كمرشح للأمانة العامة لحزب الاستقلال. لأنه من خلال العرض، قدم خيارا ثالثا للنضال السياسي بعيدا عن هذين الصورتين النمطيتين السلبيتين، وهو بهذا يكون قد قدم رؤية جديدة لممارسة النضال السياسي في المغرب.
فالأخ نزار بركة، خلال عرضه، أكد بأن هذا المشروع جاء استجابة لنداء المسؤولية كمواطن أولا و كمناضل استقلالي ترعرع في البيت الاستقلالي و ذلك للنهوض بالحزب و إعطاءه دفعة قوية و لتخليق الحياة السياسية العامة.
فالأخ نزار بركة يعتبر أن مسؤوليته النضالية لا تقتصر على الشكوى و التذمر إلى ما آل إليه حزب أجداده أو بالبكاء على الأطلال، و لكنه يعتقد بأن النضال هو أولا قناعة شخصية قوية تتحول إلى مبادرة و من تم إلى مشروع مجتمعي. فقدم مشروعا متكامل الأطراف، و لأنه يرى بأن الكل جزءا من الحل و بأن الحل يوجد داخل البيت الاستقلالي، فإنه بلور مشروعه التشاركي بعد سلسلة من الاجتماعات مع مختلف المناضلين بمختلف ربوع المملكة، و بعد انعقاد جميع المؤتمرات الإقليمية و بعد تحليل الاستمارات و المعطيات، فهو يريد أن يشرك الجميع لينخرطوا بقناعة و مسؤولية.
فالأخ نزار بركة يرى بأن مهمة المناضل هي تأطير المواطن و خدمته و الدفاع عن حقوقه، و ذلك عبر التفاعل معه و الإنصات اليومي لهمومه و التعبير عن أرائه لتمثيله خير تمثيل في مختلف الهيئات و الوساطات.
كما أنه يرى بأن مهمة المناضل هي الترافع، و ذلك من خلال المساهمة في تأطير النقاش العمومي و التبني لمطالب المواطن عبر استعمال مختلف الوسائل و التكنولوجيات المتاحة كتقديم العرائض و الملتمسات.
كما أن الأخ نزار بركة يرى بأن النضال يتمثل أيضا في القدرة على تحويل الأفكار و المشروع المجتمعي إلى فعل ملموس عبر تقديم حلول ميدانية، و هذا يعني أن يتحول المناضل نفسه إلى قدوة و نموذج.
كما أن الأخ نزار بركة يرى أن النضال يتمثل في البحث عن حلول و بدائل للمشاكل الذي يعاني منها المواطن و ليس فقط البحث عن عبارات رنانة لدغدغة العواطف أو اعتماد سياسة الفرجة.
كما أن الأخ نزار بركة يرى بأن النضال مبني على منطق التعاون و ليس منطق التصادم، و بأن النضال يتجلى في تطابق الخطاب مع الفعل.
فالأخ نزار بركة، جعل من النضال السياسي فعلا راقيا ينصب من أجل مصلحة الوطن والمواطن، و هو بهذا يكون قد أحدث ثورة هادئة في مفهوم الممارسة السياسة و قطيعة مع خطاب البؤس و مع بؤس الفعل النضالي المتفشي.
و يبقى السؤال المطروح: هل سينجح في بلورة مشروعه على أرض الواقع؟