الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: انتخابات ألمانيا نحو تأكيد مؤشرات التحول إلى الراديكالية اليمينية وتلاشي اليسار الاشتراكي

أحمد بومعيز: انتخابات ألمانيا نحو تأكيد مؤشرات التحول إلى الراديكالية اليمينية وتلاشي اليسار الاشتراكي

تمت الانتخابات التشريعية في ألمانيا في جو ديمقراطي سليم، وبنسبة مشاركة عالية تجاوزت سقف 70 في المئة. واحتل حزب المحافظين (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) بزعامة "ميركل" المقدمة بحوالي 33 في المئة في تراجع ملموس عن نسبة الولاية السابقة، وحتى عن نسب وتقديرات المراقبين واستطلاعات الرأي. وميركل ماضية في تشكيل حكومتها لولاية رابعة، لكن بشروط أخرى يمليها التحالف الجديد في غياب الاشتراكيين. لكن المؤشرات التي بزغت بعد نتائج الانتخابات الأخيرة تؤكد مدى التحولات التي تعرفها الممارسة السياسية وأداء الأحزاب في أوروبا، بعد الدرس الفرنسي والآن الألماني. ومن أهمها تراجع اليسار الاشتراكي، واختراق وصعود اليمين الراديكالي الشعبوي، وبداية تحكمه في العديد من الأصوات والنخب، وتأثيره على المشهد السياسي، وعلى القرارات...

سبقت الإشارة بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا إلى الموضوع باعتبار أن التحول السياسي وخريطة القرارات المرتبطة بالأحزاب تتجه نحو طمس التوجه الاشتراكي. وهو الأمر الذي تأكد بعد تراجع الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا، وقرارهم بالرجوع إلى المعارضة ورفض التحالف مع المحافظين. وتراجع اليسار هنا يعني الكثير، بحكم ما مثله من رصيد فكري وإيديولوجي لحوالي قرن من الزمن. وحتى لو فصلنا منهجيا بين سقوط حائط برلين وبروسترويكا غورباشوف في التسعينيات من القرن الماضي، وتراجع اليسار في عدة محطات انتخابية وصراعات سياسية، فإن استمرار تراجع المنظومة الاشتراكية واليسارية، عموما، يطرح أكثر من سؤال على الفاعلين السياسيين وعلى مستقبل تبني الفكر الاشتراكي، ليس فقط في أوروبا بل في كل أنحاء العالم .

وموازاة مع حالة تراجع ونكوص اليسار، يسجل تنامي تيارات اليمين الراديكالي والشعبوي، بطروحاته الوطنية وحتى الشوفينية. فبعد فرنسا و"الجبهة الوطنية"، تتأكد الوضعية بعد انتخابات ألمانيا مع حزب "البديل لألمانيا" الذي يعتبر امتدادا لطموحات النازية قبل الحرب العالمية الثانية.

والآن، وبعد تنامي حضور اليمين الراديكالي الشعبوي، واحتلاله للموقع الثالث في انتخابات ألمانيا، وتمثيليته في البرلمان الألماني بعد تمثيليته بالجمعية الوطنية بفرنسا، أسئلة كثيرة ستطرح على مستقبل السياسة وتوجهاتها سواء بألمانيا أو بفرنسا.

فكيف ستنسق وتوفق المستشارة الجديدة القديمة ميركل بين سياستها الداخلية -في مسألة الهجرة مثلا- وتحالفاتها الجديدة، في ظل حضور وتأثير حزب البديل على الرأي العام، ومن داخل البرلمان كمعارضة؟

وكيف سيعيد "ماكرون" و"ميركل" إعادة بناء الاتحاد الأوروبي -بعد خروج بريطانيا- أمام مد المعارضة الشعبوية للجبهة الوطنية وحزب البديل؟

... في السياسة، من الممكن إعمال المناورة، أو على الأقل إيجاد التوافقات اللازمة لتدبير أزمة أو مرحلة أو ولاية انتخابية، لكن مؤشرات صعود أحزاب اليمين المتطرف والشعبوي، وتآكل الأحزاب الاشتراكية قد يقلب معادلة الخرائط السياسية في أوروبا والعالم في السنوات القليلة المقبلة، إن لم يكن الانقلاب قد بدأ فعلا.