الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حيوات

مصطفى المنوزي: محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حيوات

أحيانا ينبغي أن ننتبه إلى أن الصراع لا يمكن أن يخاض بالوكالة، خاصة في مواجهة نظام يحتكر السلطة والقوة والمعلومة، لذلك فلا ينبغي التواكل على القدرية والأخلاق في الأمور المتعلقة بالوجود أو المصير.

إنه بقدر ما ينبغي تثمين كل حملات التضامن مع المعتقلين المضربين عن الطعام، بنفس الحجم يقتضي الحزم التوضيح بأن الامر يتعلق بتداعيات حراك الريف، التي تحولت إلى أمر واقع تتحمل فيه قيادته العلنية والمفترضة كامل المسؤولية. وأكيد أن الصواب أو الخطأ يجب أن يستهدف فيه النقد الممارسة في حد ذاتها وليس المبدأ، ليبقى دور الحقوقيين هو التضامن الصرف بما تملك اليد ووفق ما يوفره القانون.

ورغم أن الحالة الإنسانية والنفسية للمضربين لا تسمح بقراءة نقدية صريحة لكل الخيار وفي جميع مقتضيات ومراحل تصريف قراراته، فإنه أحيانا ينبغي التنبيه، دون تضخم في الوصاية، إلى خطورة الارتجال والسذاجة المبالغ فيها، وهي نزوع نقيض نحو نفي مطلق لأسباب نزول الحراك؛ حيث تحولت المطالب من حركية اجتماعية شبه شاملة، إلى مطلبية إطلاق سراح. والحال أن ممثلي الدولة لن يوفروا سوى الصفح، وهو لا يعني بتاتا العفو  بنفحة الاعتذار،  وضمان رد الاعتبار  وجبر الاضرار.. وحسبنا نرفض منهجية تدبير الصراع بشعارات متخمة بالعاطفة والأخلاق، شعارات مؤطرة بمطالب نبذ الحكرة وانتاج مادة التخوين والتشكيك، وما نتج عن ذلك من رفض الوساطات.

والحال أن ما وصلنا إليه من وضع إنساني حرج يؤشر إلى ضرورة تنسيق الجهود لتفادي مخطط الإذلال الذي يستهدف كل حركية دمقراطية. وعوض أن نشكل قطيعة مع أسباب الفساد والاستبداد، سنقطع مع عوامل التحول الدمقراطي، مما يدفعنا إلى التساؤل من جديد: من سنحاسب سياسيا، من أدار "المعركة" واختار، أو  من فرض عليه الأمر الواقع، فلا  يعقل أن نحاول حجب الشمس بالغربال؟

من هنا فالحكمة تتطلب منا جميعا العمل على بذل كل المجهودات لإنقاذ حيوات المضربين عن الطعام، وتأهيل عملية إدارة الصراع بمقاربة حقوقية تحترم كافة المسافات واستقلال الإرادات، واستحضار اختلاف المقاربات، ودون المساس بالاعتبار والكرامة الإنسانية، وبعيدا عن منطق المظلومية والمزايدة حول من يناضل أكثر، وفي سياق جل شروطه مفروضة موضوعيا، لتكون الخلاصة أن المغاربة أدوا كلفة باهظة من أجل التغيير الدمقراطي، وتخلت النخبة السياسية المتنورة عن كل أساليب المغامرة والانقلابية.. لكن للأسف عاد خطاب الوصم والتمييز يتطاوس في الأرجاء، وهو ما يهدد بتكرار ما جرى  من أخطاء قد تبرر أعطاب السياسة وعودة زمن الانتهاكات الجسيمة!