سيرد الكثيرون بالمثل القائل: "لي ما وصل لعنب يقول حامض"، ردا على العنوان. لكن الامر مختلف. مختلف تماما.
لقد خضنا محطة الانتخابات الجزئية برهانات كثيرة، منها المعلن ومنها المضمر، منها الممكن، ومنها المستحيل، رغم أن لا مستحيل في السياسة. في تشريعيات 7 أكتوبر خضنا حملة بجيوب فارغة، وبعيون مملوءة بالأمل ومفتوحة على الغد المشرق الجميل، الذي نحلم به لهذا الوطن. خضناها بأمل إشعال شمعة، بدل الجلوس في الأركان المعتمة ولعن الظلام. الظلام الدامس الذي يسكن كل الأرجاء وكل فراغات هذا الوطن.
كل أسباب المقاطعة كانت فوق الطاولة. كل الأسباب كانت واضحة جلية تعبث ببوصلة العديدين. وحدهم الحالمين بمغرب آخر ممكن، الحالمين حقا بأن التغيير ممكن حقا، من آمنوا بإمكانية إحداث تغيير ما، ولو في نظرة الناس للأمور. في ركن ما من قلوب الرفيقات والرفاق يسكن الحلم ومعه الإصرار عليه. الحلم بمغرب آخر.
كان شعارنا "معنا مغرب آخر ممكن".. ومعنا هذه لا تعنينا وحدنا كحزب، بل تعني كل التواقين لبزوغ فجر جديد ويعملون ليل نهار دونما التفات للحروب الكبيرة التي تعلنها الدولة سرا وعلنا، وغير آبهين بالمناورات السخيفة التي تحاك هنا أو هناك، ومولين ظهورهم لكل النيران التي يشعلها هذا الخطأ أو ذاك. وجهتهم الوطن الذي يسع الجميع، وحلمهم الوطن الذي يسكنه الجميع. ورغم صعوبة المنعرجات، وقلة الزاد، وطول المسيرة، ذلك أن الدولة تشتغل بمقولة "زيد الشحمة فظهر المعلوف"، وتسطر قوانين الدعم على المقاس...
كان الحلم خير زاد، وكان التعاطف الشعبي منقطع النظير خير سند. الحملة الوحيدة التي يساهم فيها المواطنون ماديا ومعنويا. (الناس كيعطيونا المساهمات باش يصوتو علينا ماشي العكس).. كان الحلم ولا شيء غير الحلم. وفي جزئيات 14 شتنبر2017 تكرر نفس الوضع. كل أسباب المقاطعة كانت فوق الطاولة وتحتها. في جيوب المتعاطفين والمتعاطفات والداعمين والداعمات. في حرارة الصيف وفي قرون خروف العيد، في البلوكاح وصمت العثماني.. في الريف والحسيمة، وما أدراك ما حراكها. في كل وسائل النقل المؤدية إلى الحسيمة والقادمة منها.. في خطاب العرش وأفريقيا. في واقعية الكثيرين منا وفي حسابات آخرين. في عشرين غشت و40 يوليوز.. في الكريموجين والقنابل المسيلة للألم. في الاغتيالات والاعتقالات.. في دم الشهداء... زمن الرصاص قد عاد لاشك.... كنا على علم بكل التفاصيل. تفاصيل المؤامرة. نعم إنها مؤامرة.. أن يحقد الكل على الكل مؤامرة. أن ينتشر التسيب الأمني فجأة مؤامرة. أن يخرج البعض للمطالبة بالأمن فقط ولا شيء غير الأمن، مؤامرة. أن يفقد الجميع الثقة في الجميع ولا يبقى من أمل إلا فيمن ولاه الله أمر البلاد والعباد.
أن ننشغل ببعضنا البعض ونترك الفاسدين والمفسدين يعيثون في البلاد نهبا، فعلا مشاركة في المؤامرة.... كنا على علم بالتفاصيل. وحتى لا نكون مجرد واحد من المتفرجين، قررنا الإصرار على الحلم. حملنا آلامنا بعضنا البعض وأحلامنا، وقصدنا قلوب التطوانيات والتطوانيين، ليس من أجل المقعد، ولكن لنحيي الأمل الذي تكالبت عليه كل الظروف. كنا على يقين بان أهلنا بتطوان سيصدقوننا لأن لا رصيد لنا إلا الصدق والنزاهة ونظافة اليد. لم نقصد جيوبهم لنملأها بدراهم لا تغني، ولم نقصد مطابخهم لنملأها بزيت مسموم أو دقيق فاسد. قصدنا عقولهم وقلوبهم. جيوبنا فارغة وقلوبنا ملآى بالأمل. عيوننا ترنو لوطن يسع الجميع. حج إلى تطوان العديد من عشاق الحلم والحياة. من طنجة والقصر الكبير والعرائش والرباط ومكناس وتمارة والبيضاء والجديدة واكادير واحفير نعم احفير والشاون وغيرها من المدن. وحضرت نبيلة أيقونة اليسار، ومعها قادة الفدرالية.. حضر الشناوي وبلافريج. وغصت قاعة ابينيدا عن آخرها، وخرجنا جميعا في مسيرة جابت الشارع الرئيسي، ووقف المواطنون والمواطنات احتراما لمسيرة الأمل. كل الذين حضروا تحملوا مشاق الحلم لأن هذا الوطن يستحق مهما قسى أغبياؤه علينا وعليه. حجوا من كل فج عميق ليمدوا يد الأمل.
لم يكن همنا المقعد الذي في قلب الرباط، كان همنا مقعد في قلب أهل تطوان. لا ننكر أننا وددنا نصرا على الفساد والافساد ولم ننله كاملا. وهذا ما سنعاهد عليه أهلنا بتطوان.. لن نتراجع، وسنعاود الكرة مرات ومرات. مقعد بقلب تطوان يجيز لنا أن نفرح. أرقامنا في تصاعد، المتعاطفون المتعاطفات في تزايد. لم يطردنا أحد من أي حي زرناه. حتى الغاضبين تعاطفوا معنا، حتى من يقاطعون آمنوا معنا بالحق في الحلم ولو إلى حين.. في السابع من أكتوبر أهدانا أهلنا بتطوان أصواتا نظيفة، بلغت 2478 بحب وأمل.. وبعد سنة إلا قليلا أكدوا لنا أننا أهل للثقة، وضاعفنا الرقم بنسبة 50 في المئة، لنبلغ 3737 صوت.
شكرا لكل من آمن بنا ودعمنا.
شكرا تطوان.
سيرد الكثيرون لي ما وصل لعنب يقول حامض .
أقول لهم، أصوات أهل تطوان عنب وموز وتفاح ورمان... ولا عزاء لمن غش من أجل مقعد بالبرلمان..