عقد المسلمون والعرب مؤتمرهم الإسلامي الأمريكي الأول في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، في شهر ماي 2017 في أوج الأزمة البورمية ومعاناة الروهينجا المسلمين من التطهير العرقي والإبادة والمحارق، ولم يأخذ من وقتهم المقتطع ولا من كلماتهم التي ألقيت أمام الرئيس الأمريكي"رولاند ترامب" خلال هذا المؤتمر، أي إشارة لما يجري لمسلمي بورمة، لا من بعيد ولا من قريب. الدول الإسلامية القريبة جغرافيا من الجزيرة كانت حاضرة منها أند ونسيا وماليزيا وبنغلاديش والكل كان منشغلا بما ستفرزه القمة الكبيرة والاستثنائية مع أكبر رئيس دولة في العالم ونتائجها المادية على مصالح تلك البلدان. ثم تهميش الحالة الروهينجية وجعلها في أسفل القائمة النقاش ثم تم التعتيم عليها لأن الغرب (و.م.أ والاتحاد الأوروبي) أرادا ذلك.؟
هذا الموقف الجبان من قبل المنتظم الدولي الإسلامي في بداية الصيف الماضي، شجع الإرادة الإجرامية للجيش البورمي فاستمر في ارتكاب المجازر والمحارق والقتل دون وازع ولا خوف من أحد حتى القانون الدولي الذي يجرم الاعتداء الجسدي على الإنسان لم يتم تفعيله أمميا بسبب قناعة الغرب الراسخة في أن ردود الفعل الروهينجية ضد الجيش أعمال إرهابية.
ما جري للروهينغا في الوقت الراهن، ليس قضية إنسانية التبس فيها التاريخ على نفسه وصنعتها أطوار الاستعمار الغربي في تلك الرقعة من البسيطة فحسب، ولكنها قضية أكبر من ذلك بكثير، لأنها رسالة واضحة لمن لا يريد أن يقرأ جيدا سلوكيات الغرب ومواقفه الأخيرة من المسلمين والعرب، وكي يعلم العالم والعالم الإسلامي بالخصوص، أن المسلم لا يساوي جناح بعوضة في عرف القيمة الإنسانية الغربية التي تصطنع العدالة والحقوق الإنسانية وتدعي أنها موروث كوني مشاع بين بني البشر، فالغرب لا يعير أدنى اهتمام بجرائم الإبادة الجماعية لجنس من الأجناس التي تنتمي لحظيرة بني البشر.. هناك مقياس الكيل بمكيالين الذي يطبقه الغرب اتجاه الآخر الذي عبر عنه سارتر بالجحيم، وأساسه أنانية الغرب العميقة وغباؤه وجهله باعتباره هو وحده المجال المركزي للحضارة في العالم واعتبار الأطراف مجرد هوامش سواء في العالم الإسلامي أو في غيره. عقيدة الغرب العنصرية السيئة الفهم جرته في نهاية القرن التاسع عشر، ليكون صانع أكبر مأساة لذبح البشر في التاريخ وأعادته مرة أخرى لواجهة الإجرام والإرهاب ضد الإنسانية في حربين عالميتين مدمرتين بين 1914 و1948.
لا غرو أن المسلمين في هذا القرن لا يفترقون كثيرا عن الغجر والهنود الحمر يمكن إبادتهم باسم التحضر والإنسانية وكونهم فائض في حضارة القرن العشرين فلا لزوم لهم على الإطلاق، والسبب سببان؛ جهل هذه الأمة نفسها وإعمالها لفكر التنوير وتهميشها لدور العقل مما منع عنهم الخروج من الحلقة المفرغة التي دارت فيها أطوار تاريخ إسلامي مغلوط الهوية ومليء بالبهتان والافتراء والتضليل رسمته قوى الشر السياسي للتمكن من الحكم طيلة قرون تداولت فيه السلطة العشائرية مقاليد الحكم بواسطة العنف والعنف المضاد والحروب السلالية على السلطة، مما أهمل دور العقل والفكر عند الجماهير، ورسخت مبادئ الهيمنة والاستبداد ومناهج التجهيل...
الأمة الإسلامية نتيجة تراكم كمي هائل من التجميد والتجهيل والهيمنة، أمة لا تمتلك الإحساس بالحرية واستقلالية الرأي وحكامها في العصر الحالي لا يمكن أن يفعلوا شيئا خارج إملاءات الغرب. لذلك تعتبر الأمة الإسلامية والعربية بالتحديد، أمة خارج الدائرة العامة للحضارة وحتى الإنسانية، كما قال أدونيس، يحافظ الغرب على علاقته مع الحكام لحاجته الإستراتيجية لذلك ولكن يحمل في عمق الروابط التي تجمعه بالعرب والمسلمين شعور الكراهية والإحساس بالتحقير والمهانة ورواسب عصر الحملات الصليبية.
الأمة التي أخرجت للناس وكانت خير امة، قال فيها القرآن الكريم "تلك أمة قد خلت من قبلها الأمم، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، أما الأمة المعنية الآن فهي أمة أقصية من القيم الحضارية وتعيش على هامش البربرية والقبلية وتفرز فئات اجتماعية تحيى في أفق الرفاه الاجتماعي، أما السواد الأعظم منها فهو يبحث في تراب الأرض والمزابل والقمامة ليعيش، دون أن يحرك في أنفس هؤلاء أدنى شعور بضمير الإنسان...
تلك حقا أمة أخرجت من الناس ولم يعد يربطها بضمير الإنسانية رابط لذا يعتبر الغرب وجودها وعدمها سيان وتتعامل الأمم المتحدة معها من منظور الدونية البشرية، فتقدم بلاغات وبيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.