طفت مأساة الروهينغا مؤخرا على الساحة، فحاولت قوى إسلامية الركوب على هذه المأساة الإنسانية وتضخيمها وتحويلها من مأساة إنسانية ذات أصل ومسبب عرقي إلى نزاع ديني تهدف منه هذه القوى خلق صراع بين الإسلام وبين البوذية، لتدخل البوذية بدورها في حلبة الصراع الديني الذي خلقته التيارات الدينية المتطرفة بين الإسلام من جهة وبينه وبين المسيحية واليهودية من جهة أخرى.
فلماذا تأجيج مشاعر المسلمين اليوم ضد البوذية؟ ولماذا فتح جبهة صراع ديني بين الإسلام وبين البوذية؟ وهل تحتمل الساحة السياسية اليوم هذا الصراع بعد ما أوجدته داعش من مجازر في حق المسيحيين والإيزيديين وباقي الديانات في العراق و سوريا؟ولمصلحة من يتم تأجيج المشاعر الدينية في المغرب ضد البوذية والتي ستؤدي حتما الى تأجيج التطرف؟
مأساة الروهينغا ليست وليدة اليوم، منذ سنوات وهذه الطائفة ذات الأصل البانغلاديشي تعاني من التمييز والتهميش والإقصاء العرقي في بورما أو ميانمار حاليا بسبب عدم اعتراف السلطات العسكرية الديكتاتورية في بورما بهذه الطائفة بدعوى أصلها العرقي البانغلاديشي، فلم يتم الاعتراف بها كجزء من الشعب البورمي المتعدد، مما جعلها تعاني أكثر من غيرها من اضطهاد السلطات العسكرية الماسكة بزمام الامور في بورما اليوم.
لكن تفاقم الأزمة الإنسانية لهذه الطائفة ستبلغ ذروتها مع انتقال بعض أفراد هذه الطائفة إلى التمرد المسلح وخلق ميليشيات مسلحة تحت اسم "جيش إغاثة الهورينكا" مما أعطى الجيش البورمي الذريعة في تنفيذ مخططه في تهجير هذه الطائفة عبر إجبارها على الهرب والهجرة إلى البلدان المجاورة ومنها بانغلاديش مما زاد من معاناتها و مأساتها الإنسانية.
لكن ما نلاحظه في الساحة المغربية اليوم هو هذه الحملة القوية والغريبة التي تحاول تضخيم الحدث وتقديمه وكأنه صراع بين الإسلام والبوذية، تظهر هذه الحملة الغير البريئة سياسيا في الكثير من الصور المأساوية والفظيعة التي وقعت سابقا في أنحاء متفرقة من العالم ليتم تقديمها على أنها صور لمسلمي بورما وإرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حملة قوية توحي بوجود قوة أو حركة ما تدفع كتائبها الإلكترونية لتأجيج هذا الصراع الديني، ومن تم تأجيج التطرف في النفوس.
الحملة حبكت بمهارة سياسية وإيديولوجية لتعطي مفعولها الديني وتأجيج مشاعر المغاربة الدينية لأسباب سياسية مرتبطة بما وصلت إليه التيارات الدينية في المغرب حاليا وفي البلدان الأخرى.
أول ملاحظة يمكن ملاحظتها مرتبطة بهذه الحملة، هو تزعم تركيا بحزبها الإسلامي "العدالة و التنمية" لحملة سياسية تظهرها أمام الرأي العام الإسلامي كزعيمة للعالم الإسلامي، في وقت بدأت تنتكس صورتها ومواقعها بعد فشلها في سوريا وانحيازها إلى قطر ضد السعودية.. وفي حملتها هذه تحاول جر البساط من السعودية في زعامة العالم الإسلامي، وكأنها تريد إعادة التجربة الإيرانية الخمينية في تزعم العالم الإسلامي، وبالتالي تأتي مهمة التنفيذ للأذرع السياسية والدينية لجماعة الإخوان المسلمين العالمية المدعومة من تركيا، والتي تتخذ تركيا وقطر مقرا لها، ولأذرعها الأخرى في بعض البلدان كالمغرب لتأجيج الصراع الديني الذي تتغذى منه هذه الحركات الدينية السياسية.
وفي تأجيج هذا الصراع الديني تتقوى هذه الحركات سياسيا في الداخل عبر كسب وحشد الأنصار لإظهار قوتها، وهي رسالة خفية إلى من يهمه الأمر في صراعها السياسي كما فعلت الحركة القومية في تأجيجها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستغلال القضية الفلسطينية في صراعها مع الحكم والنظام في المغرب، وهو نفس السيناريو الذي تقوم به الحركة الإسلامية السياسية بالمغرب لكسب الأتباع.
فالضعف السياسي الذي دخلت فيه الحركات الإسلامية في المغرب وفي مصر وفي تونس… والآن قطر الداعمة لحركة الإخوان المسلمين العالمية، كل هذا يجعل هذه الحركات تبحث عن أي حدث لاستغلاله دينيا، وبالتالي سياسيا لمصلحتها في صراعها السياسي داخل الوطن، و بالتالي فلن نستغرب من انتقال هذه الحملة إلى مرحلة أخرى من التصعيد ظاهره التضامن مع مأساة الروهينغا. وباطنه الضغط السياسي في الداخل لكسب مكاسب سياسية، أي توظيف مأساة الروهينكا الإنسانية سياسيا.
لكن الغريب في الأمر أن التضامن الإنساني عند بعض الحركات القومية والدينية يعتمد على مبدأ القرابة الدموية أو الدينية.. ولنا ابسط مثال هو مأساة دارفور في السودان الذي قامت فيه عصابات الجانجاويد وهي عصابات أعرابية سلحها الرئيس السوداني عمر البشير الإسلامي ضد جزء من شعبه الأفارقة، ونتج عن هذا الصراع مقتل اكثر من 300000 قتيل (ثلاثة مائة ألف)، وتم إحراق القرى واغتصاب النساء، وذلك حسب إحصائيات المنظمات الدولية.. وهذا ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى اتهام الرئيس السوداني المنتمي إلى التيار الإسلامي بأنه مجرم حرب، وطالبت بمحاكمته.. وبدلا من إدانة المجازر بادرت الحركات والأحزاب القومية والإسلامية المنضوية تحت المؤتمر القومي الإسلامي (ومنها ممثلوها بالمغرب) إلى زيارة الرئيس السوداني سنة 2009 للتضامن معه ضد قرار منظمة العفو الدولية، واعتبرته بطلا قوميا وإسلاميا وقف أمام الإمبريالية.