تحل الذكرى 16 للأحداث الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2001 ، ويتجدد معها السؤال : هل نجحت أمريكا في محاربة الإرهاب ؟ حين شكلت أمريكا التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وتولت قيادته ، كانت أنشطة التنظيمات الإرهابية محصورة في مناطق محددة (أفغانستان ، الصومال ، الجزائر ) . اعتقد العالم حينها أن أمريكا جادة في مسعاها وعازمة على اجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه انتقاما لكبريائها ، لكن أثبتت الأحداث عكس هذا وكشفت الحروب التي أعلنتها أمريكا أن هناك إستراتيجيات مرسومة بعناية ثاوية خلف الحرب على الإرهاب . 16 سنة من الحرب على الإرهاب ولم تزده إلا قوة وانتشارا . كان الإرهابيون محدودي المال والعتاد في أفغانستان ، فمكّنتهم الحرب الأمريكية /الغربية من منافذ شتى للتمويل والتجنيد والانتشار . الأمر الذي يضعنا أمام سؤال مباشر : ما هدف أمريكا من محاربة الإرهاب ؟ فأمريكا ومعها القوى الغربية والحلف الأطلسي بعدته وعتاده يفشل في دحر فلول الإرهابيين ، بل يعجز عن تقليص مناطق نفوذهم وأنشطتهم . إنها مفارقة لا تستقيم إلا مع المنطق الداخلي للإستراتيجية التي رسمتها أمريكا وتوجه حربها على الإرهاب ، والتي تقوم على العناصر التالية :
1 ــ تكريس أحادية القطب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك الكتلة الشرقية . لأجل هذا تتعمد أمريكا السماح للإرهاب بالتغول حتى يصير خطره يشغل العالم كله ، مما يسهّل بناء تحالف دولي خلف القيادة الأمريكية . وكلما زاد خطر الإرهاب اشتدت حاجة الحكومات الغربية أساسا إلى الدعم الأمريكي بكل أشكاله ومستوياته . في هذا الإطار نفهم انتشار القواعد الأمريكية البرية والبحرية في المناطق التي تشتد فيها التهديدات الإرهابية وتتزايد وتيرة الاعتداءات أو العمليات الانتحارية .
2 ــ تفكيك الدول بتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية . وهذه الإستراتيجية أعلنتها أمريكا عبر مسئوليها أو مؤسسات بحثية ومعاهد الدراسات وخبراء مقربين من دوائر القرار . لقد أعدّت أمريكا خططا لإعادة رسم خريطة كثير من الدول معظمها عربية/إسلامية . فمن مفهوم الشرق الأوسط الكبير إلى الفوضى الخلاقة إلى "الربيع العربي" ظل سعي أمريكا حثيثا إلى إثارة الفتنة الطائفية واستغلال الأقليات العرقية لإيجاد بؤر توتر جديدة تكون نقاط جدب قوية للعناصر المتطرفة التي يتم إعدادها . هكذا تم غزو العراق وفتح حدوده أمام تنظيم القاعدة ليصير البيئة الحاضنة للإرهاب في قلب المنطقة العربية وليجعل من العراق الدولة الأولى التي تخضع للتقسيم وقف الإستراتيجية الأمريكية على أساس طائفي . وهاهم أكراد كردستان يعلنون تنظيم الاستفتاء من أجل شرعنة الانفصال ودسترته . انتهى العراق كدولة موحدة ، والدور الآن على سوريا . فبعد نجاح الفوضى الهدامة في تدمير العراق وتقسيمه على أساس طائفي ومذهبي ، تحركت الآلة الأمريكية ومعها القوى الدولية والإقليمية لتطبيق ذات الإستراتيجية على سوريا وليبيا واليمن في انتظار أن يأتي دور بقية البلدان العربية والإسلامية وفق ما كشف عنه خبراء أمريكيون وعلى رأسهم برنارد لويس منظر لسياسة التدخل الأمريكية في المنطقة العربية أثناء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وحربه المزعومة ضد الإرهاب . مخطط برنارد لويس الذي يلعب على إشعال النعرات الإثنية و العرقية و الدينية المتواجدة في دول العالم العربي الإسلامي نشرته لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأمريكية مرفقا بمجموعة من الخرائط التي توضح تقسيم كل دولة إلى 4 دويلات و دول أخرى قسمت إلى أكثر من 4 دويلات . نقل عن برنارد لويس في مقابلة أجرتها معه وكالة الإعلام ما يلي : " إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مـُفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم .. وإذا تـُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات .. ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم ..." ويضيف : " ولذلك فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية .. ولا داعي لمـراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم.... ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك : ( إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا ).
داعش ،إذن، هو الأداة الفعالة لتطبيق إستراتيجية التقسيم ، ولهذا أوجدته أمريكا ودعمته وكانت طائراتها تلقي على فلوله الأسلحة والمؤونة في العراق وسوريا . بل تدخلت الطائرات الأميرية وأنقذت عشرات القيادات الميدانية لداعش في دير الزور لتعيد توظيفها في مناطق أخرى من العالم وفق ما تقتضيه المصلحة الأمريكية .
3 ــ تأديب ومعاقبة الدول التي لا تجاري السياسات الأمريكية أو تعارضها . في محاربة الإرهاب مآرب كثيرة لأمريكا ، لهذا ليس من مصلحتها القضاء على الإرهاب رغم كونها تتحكم في كل مخرجاته وعلى رأسها المواقع الكترونية والاجتماعية التي تطالب الدول الغربية بتزويدها بالشيفرات حتى تتمكن من فتحها والاطلاع على محتواها والرسائل المتبادلة بين العناصر الإرهابية . لكن الرفض الأمريكي يبقى ثابتا .الآن ، وبعد أن أنجز داعش الأهداف المرسومة له في العراق وسوريا ، ها هي أمريكا تفتح له بؤرة جديدة على الحدود الجنوبية الشرقية للصين ، وبالتحديد في بورما وتحويلها إلى منطقة جدب جديدة للمتطرفين والمقاتلين الذين سيفرون من العراق وسوريا أو تنقلهم أمريكا ن هناك .
انطلقت الحرب على الإرهاب بقيادة أمريكا لما كان محصورا في ثلاث دول ، وبعد 16 سنة من الحرب صار الإرهاب منتشرا في عشرات الدول واتخذ له أساليب تعجز الآلة العسكرية والأجهزة الأمنية من اكتشافه فأحرى القضاء عليه ( الذئاب المنفردة ، الانغماسيون ، عمليات الدهس ، الطعن ، تسميم المواد الغذائية ..) . الحرب على الإرهاب عملت على عولمته .
كتاب الرأي