من بين المشاهد القوية في فيلم «ستالينغراد» للمخرج «جون جاك آنو»، حلول جينرال من القيادة العامة السوفياتية ليأخذ زمام الأمور في الحرب التي كانت تخوضها الاتحاد السوفياتي ضد جيوش هتلر. إذ بعد توالي الهزائم في صفوف السوفيات تم إرسال هذا الجنيرال الذي اجتمع بضباط المخابرات «كاجي بي» وخاطبهم قائلا: «أن تسقط موسكو في يد الألمان، مسألة عادية، أن تسقط مدينة كييف لا يهم، لكن أن تسقط «ستالينغراد» فهذا أمر مرفوض بتاتا، ذلك لأنها المدينة الرمز، إنها المدينة التي تحمل اسم رمز الاتحاد السوفياتي».
هذا المشهد يمكن أن ينطبق على حي مولاي رشيد بالدار البيضاء. فهذا الحي الذي يحمل اسم فرد من العائلة الملكية، ومع ما تمثله العائلة من رمزية في الحياة السياسية والاجتماعية ببلادنا يمكن وصفه بأي اسم، إلا اسم حي مولاي رشيد. فالحي يحيل على غياب حد أدنى من الحياة الحضرية، والحياة الحضرية تستدعي تهيئة وتناسقا عمرانيا ومرافق عمومية وشوارع وحدائق وكذا جوارا ونسيجا اجتماعيا.
حي مولاي رشيد الذي يأوي ساكنة تفوق 167 ألف نسمة خصص لإيواء سكان كاريان بنمسيك الذين تم ترحيلهم عقب انتفاضة يونيو 1981، دون أن تبادر الأجهزة العمومية إلى تأمين إطار للعيش يسمح للفرد أن يفتخر أنه يسكن في حي يحمل اسم «رمز من رموز العائلة الملكية».
فإطلاق أسماء الرموز (عائلة ملكية- مقاومين- أحداث تاريخية مهمة...) يقننها ظهير التنظيم الجماعي وتخضع لمسطرة خاصة بالبروتوكول. والمشرع حين قنن هذه التسميات فلأنه اقتدى بما يجري بالدول المتمدنة التي تحرص على أن تكون الأسماء الرمزية المنتقاة لإطلاقها على مكتبة أو مطار أو حي أو جامعة إلخ... بمثابة وفاء لصاحب التسمية أو لحادث تاريخي من جهة، ولتكون بشرى للقاطنين بالحي أو المنتفعين بالمكتبة أو المرفق المعني. بينما في المغرب يتم تدنيس هذه الأسماء بترك الفضاءات والأحياء التي تحملها، تعيش في مستنقع الأزبال والأتربة والحرمان والتهميش والإقصاء.
فالزائر لمقاطعة مولاي رشيد سيصاب بالذهول بسبب «الحكرة» التي يتعرض لها سكانه. إذ رغم تمتيعهم ببقع منذ أزيد من خمسة وعشرين سنة، فإن الدولة (مجلس المدينة، مجلس المقاطعة، مجلس العمالة، وزارات) لم تقم سوى بـ «كرينة» (نسبة للكاريان) حي مولاي رشيد بالإسمنت عوض الصفيح.
أكيد، أن إحداث عمالة مولاي رشيد منذ حوالي عشرين عاما ساعد على تدارك بعض الاختلالات، إلا أن ميزانية العمالة ( في النظام الترابي السابق شأنها شأن العمالات الأخرى) لم تكن تكفي بالكاد لسد مصاريف التسيير وما تبقى من فائض كان يسخر لإنجاز خدمات الترصيف أو إحداث مرفق عمومي صغير، وهي اعتمادات لم تكن تكفي لمحو ما ترسب طوال سنوات وهو ما تفاقم بعد تجريد عمالة المقاطعة من الميزانية، علما أن مقاطعة مولاي رشيد تحتاج في الواقع إلى مخطط «مارشال» تتظافر فيه جهود كل الإدارات المعنية لأنسنة المنطقة.
وتبلغ الطامة ذروتها إن علمنا أن رئيس مقاطعة مولاي رشيد وأغلبيته، ينتمون لحزب البيجيدي، ورئيس مجلس مدينة البيضاء ينتمي لحزب البيجيدي، ورئيس مجلس العمالة ينتمي لحزب البيجيدي، وبرلمانيو المنطقة ينتمون للبيجيدي، والبرلمان يهيمن عليه نواب البيجيدي، والحكومة يسيرها حزب البيجيدي..ومع ذلك تآمر البيجيدي ضد مصالح سكان مولاي رشيد مثلما تآمر هتلر على سكان ستالينغراد !
فالسلطات العمومية، إن لم تكن قادرة على تحمل كلفة اختيار الأسماء الرمزية لإطلاقها على المشاريع والأحياء، فالأولى لها أن تنكمش احتراما لمالكي الأسماء وللسكان وللمغرب.