رغم أن مساحة مدينة العيون تصل بالكاد إلى 2200 هكتار (أي ما يمثل 0.002 في المائة من مساحة المغرب)، فإنها تعد المدينة الأكثر استقطابا للزوار الأجانب مقارنة مع باقي مدن المملكة. إذ تتوافد على عاصمة الصحراء كل عام تقريبا وفود تنتمي إلى 125 جنسية (ما يمثل 63 في المائة من دول العالم)، وهي وفود لا تتوفر على بروفيل السياحة أو الأعمال أو البحث الجامعي، بقدر ما ينتمي أغلبية هؤلاء الزوار الأجانب إلى فئة السياسيين والبرلمانيين والإعلاميين و"الحقوقيين" الذين يضبطون راداراتهم على بوصلة «منظمات حقوقية» غربية أو هيئات مدنية وسياسية تدور في فلك الجزائر، أو في فلك قوى استعمارية (إسبانية وإنجليزية وفرنسية وهولندية وغيرها)، لإبقاء ملف الصحراء تحت كشافات ضوء هذه المنظمات الدولية أو هذه الدول: إما لابتزاز المغرب في صفقة تجارية معينة أو لاستفزاز المغرب تزامنا مع قرب محطة أممية (مجلس حقوق الإنسان بجنيف أو مجلس الأمن بنيويورك)، أو للتشويش على المغرب في خطوة جيوسياسية (تمدده مثلا في القارة الإفريقية وغير ذلك..)
وأنت تتجول في شوارع مدينة العيون، اعلم أنه من أصل 10 مواطنين بالشارع، هناك شخص واحد يحمل جنسية أجنبية يبحث عن «جوا منجل» أو عن جمرة خامدة في الرماد «للنفخ فيها». وهذه النسبة المرتفعة من «الزوار» الوافدين على العيون لم تعرفها حتى برلين في أوج الحرب الباردة، ولم تعرفها حتى بيروت في ذروة استيطانها من طرف جواسيس العالم خلال الحرب الأهلية اللبنانية. بدليل أن مدينة العيون التي لا يتجاوز سكانها 237.500 نسمة، تشهد تدفق 25 ألف شخص أجنبي (الإحصائيات تخص مرحلة ما قبل زمن كورونا، أي قبل مارس 2020). فمطار الحسن الأول بالعيون، على صغر مساحته وقلة حركته الجوية مقارنة مع مطارات كبرى ( البيضاء - مراكش - أكادير - الرباط.. إلخ)، يعد من بين المطارات المغربية التي تسجل نسبة كبرى لتدفق الأجانب قياسا إلى حجم مسافريه. فمطار العيون مثلا سجل عام 2018 دخول 221 ألف مسافر (من أصل 22.500.000 مليون مسافر بمجموع مطارات المغرب)، شكل الأجانب منهم 25 ألف شخص، أي ما يعادل 12 في المائة من مجموع مسافري مطار العيون!
وتبلغ المفارقة ذروتها حين نقارن العيون مع الجزائر ككل وليس مع تندوف فقط، إذ بقدر ما أن المغرب يشرع أبوابه لكل من يود الوقوف على الوقائع على الأرض ويراها بأم عينيه (حتى ولو كان مسخرا من طرف الغير!) في مختلف مدن الصحراء، نجد أن الجزائر تغلق أجوائها وترابها ومطاراتها على كل من يود التحقق من ما يجري في هذه المدينة الجزائرية أو تلك، أما من يود زيارة تندوف ليقف على حجم معاناة ومأساة الصحراويين في مخيمات القرون الوسطى، فذاك من سابع المستحيلات.
فهل بعد كل هذه الأرقام الدامغة، يحق للمرء أن يثق في تقارير منظمات غربية، تغرف المداد من نفس المحبرة لصياغة تقاريرها حول المغرب وحول ملف الصحراء؟!
وهل هي صدفة أن يتزامن تناسل صدور تقارير منظمات غربية في وقت واحد ويدور مضمونها حول محور واحد: ألا وهو المغرب!؟
وهل هي صدفة أيضا أن «تسخن» قنوات غربية «الطعارج» ضد المغرب وتبث تقارير إعلامية «مخدومة» و"مسمومة" بشأن المغرب!؟
لا، ليس الأمر صدفة، بقدر ما هو أمر مدروس، ويروم تصوير المغرب وكأنه "أرض بدون سيد".
هذه اللعبة القذرة ليست جديدة، إذ عشناها في أحداث اكديم إزيك عام 2010، وفي أحداث 2013 الخاصة بالمطالبة بتوسيع صلاحيات المينورسو، وفي أحداث 2014 أثناء تحرشات النعمة أسفاري وأديب وزكريا المومني، وفي أحداث 2015 الخاصة بالاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وفي أحداث 2018/2017 أثناء اعتراض سفن الفوسفاط المغربي من طرف أنصار الجزائر والبوليساريو. وها نحن نعيش نفس اللعبة اليوم (2020/2021)، بعد تحرير معبر الكركرات من عصابات البوليساريو على يد القوات المسلحة الملكية، واعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على كامل ترابه من طنجة إلى الكويرة.
إن المغرب -وكما سبق أن قال الملك محمد السادس في خطاب 6 نونبر 2013- يرفض أن يتلقى الدروس.. ومن يريد المزايدة على المغرب فما عليه إلا أن يهبط إلى تندوف!