الأحد 24 نوفمبر 2024
في الصميم

العثماني: "طلق السخون..راك ذبحتي" 210.000 مغربي!

العثماني: "طلق السخون..راك ذبحتي" 210.000 مغربي! عبد الرحيم أريري
" لم نعد نحصي أيام توقفنا عن العمل بالأيام والأسابيع، بل بالساعات. فكل ساعة تضيع منا هي ساعة علينا تدبير مصاريفها، لدينا أسر وعائلات كغيرنا من المواطنين، لدينا أبناء في المدارس، ولدينا التزامات يومية وشهرية وأقساط بنكية وأعباء صحية وتكاليف للتنقلات اليومية وحاجات إنسانية.. بالله عليكم كيف سندبرها في ظل هذا الإغلاق التام لحمامات الدار البيضاء وغيرها من المدن كالقنيطرة وفاس.. لقد أصبحنا مع كل تمديد لحالة الطوارئ الصحية نعيش كوارث حقيقة، اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا.."

هذا ما صرح به عبد الله أطريح، الكاتب العام لنقابة أرباب الحمامات بالدارالبيضاء، وهو تصريح طافح بالدم والألم ويكشف مدى الحكرة التي يعيشها قطاع واسع من المهنيين والحرفيين الذين لا يملكون سلطة لإيصال محنتهم للحكومة وللبرلمان وللولاة ولعمداء المدن، عكس اللوبيات القوية والمنظمة التي تعرف كيف تنهش المال العام وتحصل من حكومة العثماني على الامتيازات في قوانين المالية وقوانين الاستثمار وفي القرارات الجبائية المحلية للجماعات الترابية.

فعقب جائحة كورونا التي ضربت المغرب في مارس 2020، قررت الحكومة إغلاق الحمامات الشعبية في العديد من المدن (خاصة البيضاء وفاس والقنيطرة وغيرها) بدعوى حماية الصحة العامة. وهو قرار لن ندخل في تفكيك مراميه وأسانيده (فهذا أمر متروك لذوي الاختصاص الحقيقي ولمن يملك سلطة علمية في مجال الفيروسات)، بل ما يحز في النفس أن الحكومة والمجالس المحلية والإدارات الترابية بالمغرب، اتخذت بشكل انفرادي، قرار إغلاق الحمامات دون أن تناقش مع المعنيين سبل تطويق الأضرار، أو تحمل جزء من التكاليف، أو التفكير في مونطاج مؤسساتي ومالي لمواكبة الحمامات الشعبية التي تعد الأكثر عرضة للضرر (بعد الفنادق وباقي العاملين في قطاع السياحة). ويبلغ الحنق ذروته إذا علمنا أن فترة إغلاق الحمامات تجاوزت عشرة أشهر مع ما يترتب عن ذلك من إنهاك مادي وعوز مالي بل وتجويع وتشريد لآلاف العاملين بالحمامات.

من حق الحكومة أن تتخذ ما تراه مناسبا لحماية الصحة العامة (ونحن هنا نفترض حسن نية الحكومة ونفترض انها حكومة فعلا مهووسة بصحة المغاربة!)، ولكن من واجب الحكومة كذلك أن تفكر في تبعات قرارها الأحادي والظالم.

فالمغرب يضم 7000 حمام شعبي (منها 4000 بالبيضاء لوحدها)، وإذا افترضنا جدلا أن كل حمام يشغل ستة أفراد (كسالة، الصندوق، مستخدم الشوديرا والعافية…إلخ.)، فمعنى ذلك أن المتضررين من استمرار إغلاق الحمامات منذ عشرة أشهر، يصل إلى 42.000 مستخدم. وإذا كان كل مستخدم يعيل أسرة من خمسة أفراد، فمعنى ذلك أن حكومة العثماني جوعت 210.000 مواطن مغربي ظلما وعدوانا. وتركتهم عرضة للتيه بدون حماية أو مساعدة.

والأفظع، أن الدستور ينص على تضامن المغاربة لتحمل تبعات الكوارث وتبعات أي جائحة ما، وهو مقتضى دستوري عطلته الحكومة، وكان بالإمكان إبداع شكل تضامني مؤسساتي مع أرباب ومستخدمي الحمامات الشعبية وباقي القطاعات الأكثر تضررا.
ليس هذا وحسب، بل إن استمرار إغلاق الحمامات الشعبية، ونحن الآن نجتاز فترة "الليالي" الباردة جدا، مس أيضا بحق الفئات الاجتماعية الهشة في الاغتسال وفي النظافة، بحكم أن أوسع فئة من المغاربة تعيش هشاشة وفي ظروف سكن جد ضيقة (حتى لا نقول لاآدمية)، لا غنى لها من الذهاب إلى الحمام الشعبي للتخلص من الاوساخ.

فهل يعلم مسؤولو المغرب أن الدار البيضاء لوحدها تأوي 214.000 أسرة في سكن غير آدمي (45.000 أسرة مازالت بالصفيح لم ترحل بعد، 9200 أسرة في منازل آيلة للسقوط و160.000 أسرة في أحياء عشوائية غير مهيكلة إطلاقا بالتطهير أو الماء)، وهو ما يعادل 1.100.000 بيضاوي تقريبا (أي ما يمثل ثلث سكان المدينة) لم يغتسلوا منذ عشرة أشهر، وإن اغتسلوا، ففي ظروف يعلم الله وحده كيف كانت !!

فرجاء من العثماني..طلق السخون وتوقف عن إبادة 210.000 مغربي !