الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

رضا الفلاح: جائحة كورونا قد تفضي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي

رضا الفلاح: جائحة كورونا قد تفضي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي رضا الفلاح

يرى د. رضا الفلاح، أستاذ القانون الدولي بجامعة ابن زهر بأكادير، أن عالم اليوم، وهو يواجه حربا مفتوحة وغير منظمة ضد فيروس كورونا، سيمر من مرحلة تحول مصيرية سيكون لها أثر بنيوي على خريطة التحالفات الدولية التي تشكل في واقع الأمر انعكاسا طبيعيا لتحولات جارية منذ ثلاثة عقود من الزمن، وهي بالتالي تتسم بطابع الاستمرارية على عدة أصعدة، وعلى رأسها تفكك محتمل للاتحاد الأوروبي في ظل طغيان ردود الفعل القومية وغياب سياسة أوروبية متضامنة. مشيرا إلى أن فيروس كورونا فضح ابتعاد النظام الدولي عن قيم المشترك الإنساني الدولي من تضامن وتعاون، بل وأبان عن أزمة ثقة وتواصل عميقة بين الدول...

 

+ كيف تُقومون أداء النظام العالمي في ما يتعلق بالتصدي لجائحة كورونا؟

- المجتمع الدولي الذي استفاق على تفشي كورونا لم يكن مستعدا بالكامل للتعامل بشكل جدي ومتضامن مع التهديد الحقيقي لهذا الوباء، وهذا بالرغم من حدوث تطورات مقلقة لأوبئة مشابهة في الثلاثين سنة الأخيرة. يرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى طبيعة النظام الدولي الراهن الذي تغلب عليه الصراعات الاقتصادية والجيوسياسية، ونظرا كذلك إلى استصغار الفيروس والاستهانة بقدرته على الانتشار السريع وتضاعف الإصابة به على نطاق عالمي. في المرحلة الأولى من انتشار الوباء بالصين، اتضح بشكل صارخ الغياب الكلي لرؤية مستقبلية وجماعية لمحاصرة الوباء مع العلم بأن الأمر يتعلق بتهديد ينتقل بسرعة حركية الأشخاص عبر العالم ولا يُرى عبر أشعة ورادارات المراقبة في النقاط الحدودية. لقد تبدى بوضوح افتقاد النظام الدولي الراهن لأبسط مقومات الأمن الجماعي أمام عدو مشترك للإنسانية، أو على الأقل لمرصد إنذار مبكر لأزمات مستقبلية عاصفة، ورأينا كيف تعاملت القوى الكبرى مع الفيروس وكأنه يحمل شفرة قومية أو إيديولوجية، والدليل على ذلك عندما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفيروس أنه صيني "الفيروس الصيني". وتابعنا اتهامات الصين وإيران بشكل رسمي للولايات المتحدة الأمريكية أنها تشن هجوما بيولوجيا ضدهما.

 

+ ما تعليقك على حالة الانقسام التي كشفتها الجائحة، وتبادل الاتهامات بين كل القوى الكبرى؟

- ساهمت انقسامات العالم وقطبيته المتصاعدة في غلبة الأنانية ومنطق اللعبة الصفرية على استراتيجيات المواجهة. وقد كانت الصين العقبة الأولى أمام رغبة هذا الكائن المجهري والقاتل في الحياة، ومنحته العولمة والاعتماد المتبادل ومكانة الصين المحورية في الاقتصاد العالمي فرصة الانتشار في رحلة مرعبة ومكوكية عبر العالم. وقفت الصين في الصف الأمامي من هذه المواجهة وأمام العلامات الأولى لتفشي الوباء، لم تكن قادرة في البداية على معرفة مدى حجم وسرعة الانتشار وظهر أنها غير مستوعبة لمدى خطورة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تلوح في الأفق. لكنها وفي ظرف وجيز استطاعت إخماد بؤر التفشي المحلية وساعدها في ذلك طبيعة وبنية سلطتها السياسية السلطوية وإرثها الثقافي القائم على انضباط الأفراد وتجذر مبدأ التضحية من أجل الجماعة. في هذه الأثناء، كان العالم يتابع ما يحدث بنوع من اللامبالاة بينما كانت بيانات و تصريحات منظمة الصحة العالمية تعلن عن توقعات مفزعة باحتمال تفشي الوباء في كل بقاع العالم و بشكل متسارع.

اتسمت المرحلة الثانية بتبلور تدريجي للوعي ودق ناقوس الخطر داخل الدوائر الطبية ولجان اليقظة الوبائية في الدول. لكن ما أثار الاستغراب هو إحجام النخب الحاكمة في عدد كبير من الدول، بالخصوص أوروبا وأمريكا عن اتخاذ الإجراءات الاستباقية والتدابير القاسية خلال الأسابيع الأولى وبذلك فهي فضلت عدم التضحية بالاقتصاد في سبيل الصحة العامة لمواطنيها. لم يتم طرح سؤال التدابير الاحترازية التي يتعين اتخاذها بالصيغة المناسبة، وقد ذهبت بعض الدول ومن ضمنها بريطانيا وأمريكا إلى اعتماد نظرية مناعة القطيع والمراهنة على معامل انتشار ضعيف للوباء. إن تعدد استراتيجيات المواجهة وتبادل الاتهامات بين البعض، وأحيانا عدم التنسيق في إجراءات غلق الحدود والسطو على شحنات المعدات الصحية أبرز أن بنية النظام الدولي لم تكن مهيأة لاستقبال عنصر دخيل عليها، ناهيك عن وجود خصائص في هذا النظام ساعدت فيروس كورونا على التغلغل في خلاياه وتسهيل مهمته، وإن كان من السابق لأوانه التكهن بتداعياته، لكن بوسعنا وضع خلاصات أولية ستتطلب المزيد من التحقق والبرهنة لاحقا.

 

+ هناك من يرى أن جائحة كورونا عرت عن هشاشة النظام الدولي، هل يمكن توقع تغيير في العلاقات الدولية، خصوصا بعد تخاذل الاتحاد الأوروبي في مساعدة إيطاليا في مواجهة الجائحة، مقابل تدخل الصين وروسيا وكوبا لتقديم يد العون للشعب الإيطالي؟

- لقد فضح فيروس كورونا ابتعاد النظام الدولي عن قيم المشترك الإنساني الدولي من تضامن وتعاون، بل وأبان عن أزمة ثقة وتواصل عميقة بين الدول، كما أكد مرة أخرى على أن عولمة الوباء قد تشكل متغيرا حاسما في إعادة تركيب مشهد العلاقات الدولية بشكل أو بآخر نحو الأسوأ أو نحو الأفضل مع العلم أن التطورات الراهنة تنذر بسيناريو سترفع فيه الجائحة من درجة استقطاب النظام الدولي ومن عدوانية السلوكيات الأنانية كما تجسد من خلال سرقة الشحنات الطبية في أوروبا ومحاولة أمريكا احتكار اللقاح واستخدامه كسلاح في سياستها الخارجية، أو نداء الرئيس دونالد ترامب إلى أطباء وممرضي العالم إلى الهجرة نحو أمريكا. في الوقت ذاته، أعاد انتشار الوباء عالميا إلى الواجهة السؤال الملح حول قدرة المجتمع الدولي على تبرير غايته الوجودية وتكريس وظائف القانون الدولي ومثله في زمن التهديدات غير التقليدية وفي أوقات التحول الحاسمة في النظام الدولي.

في ظل صعود قوى كبرى جديدة وانحسار الهيمنة الأمريكية، ساهم فيروس كورونا في تحديد أوضح وبشكل فجائي لملامح نظام دولي جديد قيد التشكل منذ نهاية الحرب الباردة. يتميز هذا النظام بعلامات دالة و يمكن إجمالها في ما يلي: غلبة أصناف مستجدة من التهديدات سواء غير المرئية منها أو اللاتماثلية في خريطة التهديدات الأمنية، ونذكر منها على سبيل المثال الإرهاب الدولي والقرصنة الإلكترونية الدولية والأزمات الاقتصادية والمالية العالمية والانتشار الكوني للأوبئة، وهو ما يضع المنظمات الدولية المعنية بالسلم و الأمن الدوليين، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة أمام تحديات غير مسبوقة و غير مألوفة في التعاطي معها، كما يعمق من أزماتها؛ مفارقات العولمة الاقتصادية التي تنمو في أرضية سياسية وسوسيولوجية داخلية تتجه نحو انتخاب زعماء يتصفون بمزيج من الشعبوية والتوجهات القومية أو الأورثودوكسية المحافظة والحمائية التجارية في عدة دول عبر العالم منها أمريكا والبرازيل والهند وروسيا وتركيا والفيليبين؛ تآكل العقد الاجتماعي الذي أفرزته الليبرالية الجديدة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، والذي اعتمد نموذج الدولة الميسرة عندما ثبتت عدم قدرته على التوفيق بين النمو والتنمية، بين الربح اللامحدود والتوزيع العادل للثروات، بين نمو حجم التجارة العالمية وتحقيق الرخاء العالمي؛ اقتران أزمة الديمقراطية ببداية نهاية المركزية الغربية التي طبعت النظام الدولي منذ نشأة الدولة الأمة الحديثة وصولا إلى قيام النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية بمؤسساته السياسية والعسكرية والاقتصادية.

 

+ هل يمكن توقع تفكك الاتحاد الأوروبي بعد نهاية الجائحة؟

- يمر عالم اليوم وهو يواجه حربا مفتوحة وغير منظمة ضد فيروس كورونا من مرحلة تحول مصيرية سيكون لها أثر بنيوي على خريطة التحالفات الدولية التي تشكل في واقع الأمر انعكاسا طبيعيا لتحولات جارية منذ ثلاثة عقود من الزمن، وهي بالتالي تتسم بطابع الاستمرارية على عدة أصعدة، وعلى رأسها تفكك محتمل للاتحاد الأوروبي في ظل طغيان ردود الفعل القومية وغياب سياسة أوروبية متضامنة مع الدول الأكثر تضررا من الوباء وبالخصوص إيطاليا وإسبانيا؛ دخول أمريكا بشكل صريح في مرحلتها الانعزالية من أجل إعادة ترتيب أوراقها بعد أن توالت إخفاقاتها على الساحة الدولية منذ حرب الفيتنام وحروبها ضد العراق وأفغانستان وحربها ضد الإرهاب، وصولا لفشلها الذريع في احتواء فيروس كورونا مع توالي توقعات مرعبة حول مدى تفشي الوباء وحجم الخسائر البشرية والاقتصادية التي سيحدثها. المرجح الآن أن جائحة كورونا ستعزز من النزعة الأمريكية نحو الانغلاق داخليا ومراجعة سياستها الخارجية على المقاس الجديد لقوتها النسبية وتبعا لفشل ميزانية دفاعها القومي التي تقدر بما يزيد على نصف الإنفاق العسكري العالمي، وعدم جدوى قدراتها الاستخباراتية في ترصد واستباق ضربة وباء كورونا. من المرجح أن تلجأ النخبة الحاكمة في أمريكا إلى الاقتداء بنصائح جوزيف ناي ومنظري القوة الناعمة عبر توظيف موارد جديدة للتأثير والجاذبية وتلطيف خطابها نحو الخارج. لكن، من غير السهل حاليا التنبؤ بطبيعة استجابة دول كبرى مثل الصين وروسيا والهند مع تحولات كهذه. من منظور الواقعية السياسية ونظرية توازن القوى ستسعى هذه الدول إلى استغلال الفراغ الجيوسياسي الذي سيتركه تراجع الهيمنة الأمريكية لتكريس نظام دولي متعدد الأقطاب وتوسيع نفوذها، وهو منحى ليس بجديد في النظام الدولي لكنه سيأخذ نمطا أكثر ترسخا، خاصة بالنسبة للصين التي قد تجد الوقت مناسبا للإفصاح عن كل نواياها كما تنبأ بذلك ميرشمايير. أما إذا صدقت نبوءة الحالمين بمجتمع دولي أقل عنفا وأكثر تضامنا، فستكون سياسات مواجهة جائحة كورونا نقطة الارتكاز لعالم جديد تتكامل في إطاره العولمة مع نظام مؤسساتي دولي قادر على توحيد الجهود في سبيل تصميم ردود جماعية ومنسجمة في مواجهة الأنماط الجديدة من التهديدات الكونية وغير المرئية.