الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل يغير وباء كورونا موازين القوة الاستراتيجية في العالم؟

يوسف لهلالي: هل يغير وباء كورونا موازين القوة الاستراتيجية في العالم؟ يوسف لهلالي
عبر التاريخ كانت دائما الحروب الكبرى والأوبئة القاتلة عامل يغير موازين القوة بين الامبراطوريات الكبرى. فهل الاكتساح الذي خلفته جائحة كورونا التي انطلقت من الصين، وحالة الخوف التي نشرتها بالعالم والكساد الاقتصادي التي تسببت فيه والذي كلف آلاف المليارات حتى الآن. هل هو مؤشر على انهيار قوى قديمة وبروز قوى جديدة محلها؟ هل حالة الضعف وعدم التضامن التي أبرزته الدول الأوربية فيما بينها هو مؤشر على بداية انهيار هذا التجمع الإقليمي؟ هل ستصبح الأقنعة الواقية واللقاحات ضد الوباء وسيلة ضغط بين القوى الدولية وسلاح في الديبلوماسية الدولية تستعمل في الدعاية او ما يسمى القوة الناعمة؟ هل توزيع الأقنعة الطبية التي تقوم به الصين على بعض الدول حتى العظمى هل يوازي المليارات التي استثمرتها الولايات المتحدة الأمريكية بأوربا والعالم بعد الحرب العالمية الثانية؟ هل توزيع الأدوار الاقتصادية في العالم سوف يتغير بعد هذا الوباء، وستكف بلدان العالم على استعمال الصين كمصنع لعدد كبير من المواد الاستهلاكية، كالدواء ومختلف التجهيزات الطبية بما الأكثر بساطة مثل الأقنعة الطبية التي أصبحت نادرة بالعالم؟ هذه كلها أسئلة تطرح علينا بعد هذه الأزمة الصحية الكبيرة التي تسببت فيها كورونا فيريس والتي لم نخرج منها بعد.
التحرك الصيني الذي انطلق مند نهاية الوباء العالمي من أجل استعمال سياسة توزيع الأقنعة الطبية، والتي تنتج منها الصين كميات كبرى وبدأت تستعملها في ديبلوماستها من اجل تحسين صورتها وتجاوز التدبير الكاريثي الذي رافق انطلاق هذا الوباء بعد محاولة اخفائه والتقليل من شأنه قبل ان تغير هذه السياسة بشكل جدري، وتبرهن على قدرة دولة سلطوية في تدبير الازمة وتوزيع الأطباء والتجهيزات وبناء المستشفيات بشكل سريع في المناطق الموبوءة خاصة بمدينة ووهان. وتطبيق الحجر الصحي بشكل صارم، طبعا الصين وزعت بضع ملايين من هذه ألأقنعة، مليون نحو إيطاليا ومليونين لبلدان الاتحاد الأوربي، لكن هذه البلدان هي الأخرى ساعدت الصين عند بداية هذا الوباء من خلال تسليمها جزء من الأقنعة التي كانت تتوفر عليها بشكل إضافي. وفرنسا وضعت جسرا جويا لاستيراد حوالي مليار قناع واقي وأجهزة طبية أخرى. وحتى بضعة ملايين من الأقنعة الواقية التي وزعتها الصين مؤخرا هي غير كافية للاستهلاك في بلد واحد مثل فرنسا الذي يستهلك حوالي 5 ملايين قناع يوميا، في الوقت الذي ينتج فقط مليون قناع في اليوم من طرف مقاولاته.
طبعا أوربا كانت هي الخاسر الأكبر حتى الساعة من هذه الأزمة، وتراجعت صورتها كقوة إقليمية، فبعد بداية أزمة كورونا، والتي كانت كارثية بايطاليا من حيث عدد الضحايا بعد ان اصبح النظام الصحي متجاوزا من طرف هذه الوضعي الاستثنائية. فان البلدان الاوربية لم تسارع لتضامن معها، اذا استثنينا الإجراءات التي قامت بها المندوبية الاوربية لإنقاذ المالي والاقتصادي على المستوى الماكرو اقتصادي. المساعدات التي قدمت لإيطاليا من طرف جيرانها اقتصرت على قبول بعض الحالات من المرضى بالمستشفيات القريبة من الحدود الايطالية، فان اغلب البلدان أقفلت حدودها. وألمانيا التي تتوفر على كمية كبيرة من الالات الطبية للإنعاش احتفظت بهالا مواطنيها، وبلد التشيك سرق معدات طبية كانت موجهة لإيطاليا، وهو ما اعطى صورة عن امبراطورية في حالة انهيار، وكل إقليم اوربي يحاول النجاة بنفسه دون الاكتراث بجيرانه رغم ان هذا الوباء ليست له اية حدود. وتم اقفال او تشديد المراقبة على الحدود خلافا لما تنص عليه اتفاقية شنغن، وتم في نفس الوقت الحجز على كل وسائل الصناعة سواء للاقنعة او الالات الصحية من اجل تخصيصها للحاجيات المحلية، وفي الوقت الذي كانت روما تنتظر العون والتضامن من بلدان الاتحاد، فان بلدان بعيدة مثل الصين،وروسيا وكوبا هي التي قدمت بعض مساعداتها الطبية رغم محدودية امكانياتها مقارنة مع بلدان الاتحاد الأوربي او الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر حليفا لإيطاليا في المجال الأطلسي.
وواشنطن بقيادة دونالد ترامب وجدت نفسها متجاوزة من طرف هذه الازمة، برئيس يدبر أمور بلده وكأنه يجري برنامج لتلفزة الواقعية وليس يدبر اكبر قوة اقتصادية وعسكرية يعرفها العالم اليوم، ويغير تصريحاته عبر تويتر كل يوم متجاوزا ما يقوله خبراء البيت الأبيض في هذا المجال. في بداية ازمة كورونا بدأ بالتهكم وإنكار هذه الجائحة من اجل التقرب من المتطرفين الدينيين قبل ان يقبل بوجود هذا الوباء ويحرك الالة الفيدرالية لمواجهته لكن مواقفه الأولى خلقت ارتباك في التعامل مع الوباء سواء في الولايات المتحدة الامريكية او في باقي العالم.
اليوم العالم هو في حاجة الى مشروع مرشال جديد بعد انتهاء جائحة كورونا من اجل انقاد الاقتصاد العالمي، ودعم البلدان النامية على الخصوص التي تأثر اقتصادها بشكل كبير من هذا الوباء والذي مس الأوضاع الهشة للحشود الكبيرة التي تعمل في اقتصاد غير مهيكل وفي غياب دول قوية يمكن ان تساعد هذه الفئات المتضررة. رغم اننا لحد الساعة لا نعرف كم من الوقت سوف يستمر هذا الوباء او كم من الوقت سوف تستمر الازمة.
فهل ستقوم الولايات المتحدة الامريكية بمبادرات في هذا المجال، وهل ستقوم الصين هي الأخرى بمبادرات مماثلة لدعم الدول النامية والتي تشكل اسواقا لسلعها وفضاءا للاستثمار أموالها. وهل سيستفيق المارد الأوربي من سباته من اجل استعمال امكانياته الهائلة لإنقاذ جواره؟ أم ان سياسة الأقنعة الطبية وتوزيع اللقاح والإشهار لها هي التي سوف تستمر؟ وهذه الأقنعة المصنعة من الورق والتي لا تتطلب تكنولوجية كبيرة لتصنيعها كشفت مقاربة عالم اليوم وكذلك الدول التي تخلت عن واجبها وهو توفير كل المواد الاستراتيجية خاصة الطبية لمواطنيها، اليوم اكثر من 80 في المائة من المواد الطبية تصنع في آسيا خصوصا في الصين والهند وذلك بسبب ركد الشركات الكبرى وراء الربح وعدم تصنيعها في مناطق اخرى بسبب الكلفة وسعيا لربح أكبر. وباء كورونا فيريس أبرز للعالم ضرورة الحفاظ على المنتجين المحليين في كافة العالم ودور الدولة في حمايتهم من أجل استمرار نسيج اقتصادي محلى يمكن اللجوء اليه في حالة الازمات الكبرى مثل التي تجتاح العالم اليوم، الصين الشعبية التي انطلق منها المشكل وبفضل هذه الأزمة أعطت درسا للجميع، وعلى الجميع أن يأخذ هذا الدرس، وبسرعة وهو أنه على كل بلد وكل قارة ان تحافظ على جزء من قدراتها الذاتية في الفلاحة والصناعة، والاعتماد على الصين كورشة صناعية للجميع اصبح يشكل خطورة على العالم، ففي حالة الحرب او الكوارث التي يمكن ان تمس الصين، سوف يصعب حتى الحصول على قناع من الورق، لان العالم قرر أن الصين هي من يقوم بذلك نيابة على الجميع. اليوم فرنسا تستهلك 6 ملايين قناع واقي يوميا ولا توفر صناعتها إلا مليون فقط و5 مليون وقعت فرنسا على عقد لشرائها من الصين وأحدثت لذلك جسرا جويا. لكن هل بإمكان كل بلدان العالم القيام بذلك؟ هذه أحد مفارقات عالمنا اليوم، لهذا السؤال هو مطروح اليوم على ما بعد كورونا هل يستخلص العالم الدروس أم أنه بعد الأزمة ستعود الأشياء لما سبق.