الاثنين 6 مايو 2024
كورونا

محسن بنزاكور: للأسف ليس هناك كفاءة في إيصال المعلومة للناس حول وباء كورونا

محسن بنزاكور: للأسف ليس هناك كفاءة في إيصال المعلومة للناس حول وباء كورونا محسن بنزاكور، أخصائي في علم النفس الاجتماعي
* هل يمكن الحديث عن سيكولوجية الخوف الجماعي عند المغاربة من وباء كورونا؟
- يتركب البعد الإنساني من مجموعة من التكوينات، فيها ما هو معرفي وعلائق اجتماعية وجسدي وفيها ما هو نفسي ووجداني، وعدد من الناس يخطئون عندما يعتبرون أن الوجدان لا يمكن التحكم فيه، وهو نوع من الذكاء. وبالتالي، نكون أمام نوع من الخطر غير المتحكم فيه، ولا يعرف عواقبه، فيصبح ذلك الذكاء العاطفي هو المتحكم، فنكون أمام الخوف والهلع والرعب والقلق، وهو نوع من الحماية ضد مجهول، والإنسان عادة لا يقدر على اتخاذ قرار لمواجهة أمر مجهول، فيكون بحاجة لمعلومة من خلالها تصل إلى العقل فتتعطل الأبعاد التي تحمينا والتي تحرك فينا الجانب الحيواني عبر الاستعداد للخطر والدفاع عن النفس. الإشكال هو أن هذه الأبعاد العاطفية للإنسان يوظفها كذكاء لا يعي بها ويصبح متخوفا منها، ولا يفهمها، فيتصرف بطريقة غير معقلنة، ولا يقدر على ضبط عواطفه التي تتمثل جسديا في خفقان القلب، الرعشة، الأفكار السوداوية، أفكار الخوف، وهذا ما يعيشه المواطن المغربي من خلال ضعف المعلومة الدقيقة حول مرض «كورونا»، وعدم الفهم الحقيقي لما هو رائج، فتستند الناس للخطر غير الصحيح، فيصبح الإنسان قابلا لتصديق أي معلومة كيفما كانت، بغض النظر عن كونها معلومات صحيحة أو مغلوطة، مادامت تخدم هذا الخوف والهلع الذي ينتابه ويشعر به. بمعنى أنه كلما وجد شخصا يشاركه أفكاره وتوجساته سيقاسمه الخبر، وبطريقة غير واعية يقول إن ذاك الشخص مثلي، فيجد ذاته فيه مرددا «ماشي غير وحدي اللي عندي إحساس الخوف»، فيفتح باب أن باب المعرفة غير مهم، بل إن تقاسم الخوف والهلع هو الأهم، فيصبح البلد مفتوحا على مصراعيه لكل من يريد استغلال هذه الظاهرة الإنسانية، إما عن حسن نية أو سوئها، فنكون في الحالة الأولى أمام جهات تصدر بلاغات وتتواصل بنية الطمأنة فتثير ذعرا وسط الرأي العام، وفي الحالة الثانية نجد الباحثين عن الشهرة والمزيد من التتبع لقنواتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الفئة اتخذت في حقهم السلطات المعنية قرارات بالمتابعة لنشرهم أخبارا زائفة عن عمد وسبق إصرار.
البعد الثاني للخوف هو عندما يصبح مشتركا بين الناس، وهذا يبرز عندما يتابع المواطن المغربي أخبار مرض «كورونا» في الصين وإيران وإيطاليا وإسبانيا، فنكون أمام انتقال الخوف إلى الداخل، خصوصا وأن العالم قرية صغيرة ومترابطة بحكم العولمة، وزاد من ذلك منصات التواصل الاجتماعي التي تنقل كل كبيرة وصغيرة عن انتشار الوباء، فنسقط ما يقع في الخارج على الداخل، مثال ذلك القرار غير المدروس الذي أصدره وزير التربية الوطنية بشأن توقيف النشاط الدراسي، وهو قرار اتخذ في التوقيت الخطأ، أي يوم الجمعة وبشكل مفاجئ، مما يفسر مرور فئة عريضة من المواطنين إلى سلوك التهافت على المواد الغذائية في المتاجر، لنكون أمام لهفة الاقتناء بشكل غير معقلن وغير منطقي، لأن المواطن المغربي له مدارك فكرية وإن كانت أحيانا على خطأ، فهو يبرر ذلك بقرار الوزارة توقيف الدراسة، «يعني كاين شي حاجة»، فيهرول لتأمين مخزونه الغذائي، خصوصا وأن المغاربة لهم تاريخ مع محطات الاضطرابات الاجتماعية ومواسم الجفاف وزمن السيبة، وهو ما يجعلهم أمام احتمال وجود خطر يتهددهم، وهي ردة فعل مفهومة علميا وإن كانت غير مقبولة من حيث السلوك والفوضى التي صاحبت التسوق..
 
* لكن ألا يمكن عدم لوم هذا المواطن المغربي الذي يتابع تطورات مرض كورونا وكيف يحصد المئات وانهيار البورصات العالمية وإعلان حالات الطوارئ في عدد من الدول الأوربية، وتهافت مواطنيها على اقتناء مواد غذائية، ألسنا أمام وضع طبيعي في سياق عالمي؟
- لهذا قلت إنه يسلوك مفهوم وإن كان غير مقبول، مفهوم، لأنه خاضع لأمرين أساسيين، الهلع والخوف الذي يجتاحه، فهو مواطن له مسؤوليات أسرية وعائلية، كما أن الواقع يزكي على أنه على صواب، لكنه في جميع الأحوال غير مقبول، لأنه كلما زاد هلعه ساءت تصرفاته، وكلما كان هناك خطر أكبر تتوسع نسبة تهوره إذا لم يضبط نفسه، ولنا في قيادة السيارة خير مثال، وينصح دائما بضبط النفس، وإلا سنكون أمام حوادث سير قاتلة، وهذا ايضا في مواقف الشجار، إذا لم يضبط أحد المتخاصمين نفسه، فإنه سيقع في المحظور وينفع حيث لا ينفع الندم. فإذا كانت للشخص عناصر ثقة بالنفس، يسهل عليه تصريف أموره بحكمة ودقة، وإذا استسلم لغير ذلك سيكون معرضا للهزيمة، لهذا فإن السلوك الذي صدر عن بعض المواطنين في «جمعة الهلع» والذي قد يتكرر بشكل أكبر عند اتخاذ قرارات أخرى حسب التطورات، قد يؤدي إلى ما لايحمد عقباه، فينتقل الخوف الفردي إلى المجتمع ونكون أمام الخوف الجماعي والذي قد يأخذ أبعادا احتجاجية أو إجرامية.. الصين أدركت أن أساس التغلب على مرض كورونا هو حصر انتشاره وامتداه بين الناس، فلزم الصينيون منازلهم، طبعا الشعب الصيني منضبط، ويعرف أن قرار العزل هو قرار صائب، وكانت النتائج إيجابية من حيث تطور أرقام الإصابات والوفيات، عكس الإيطاليين، الذين استهانوا بالوضع، والتخوف هو عندنا في المغرب، باستحضار أن هناك ضعف الثقة في مؤسسات الدولة، وهذا بإقرار رسمي من المندوبية السامية للتخطيط، ثانيا البلاغات الصادرة عن القطاعات الحكومية وتصريحات رئيسها غير مهنية، وإلا كيف نفسر تصريح العثماني للرأي العام بأن المغرب يتوفر على مخزون غذائي يمتد لأربعة أشهر، في اليوم ذاته الذي هرع المواطنون فيه للمتاجر لاقتناء المواد الغذائية؟ هل هو تصريح مضبوط ومدقق؟ فالمواطن البسيط سيقوم بعملية قسمة هذا المخزون على 40 مليون نسمة، سيستخلص أن عليه تأمين مخزونه بشكل أكبر. هل كان من الضروري أن يصرح رئيس الحكومة ووزير التجارة بمدة الاحتياط الغذائي؟ ثم ألم يكن قرار توقيف الدراسة يحتاج لتحضير الرأي العام، من خلال تواصل المؤسسات مع أولياء الأمور؟ وإلا ما معنى أن تقرر أيها الوزير توقيف الدارسة الساعة الرابعة عصرا وننتظر مرورك الإعلامي في نشرة الثامنة والنصف، ألم يكن من المجدي التواصل في الحين بتقنية المباشر مع الرأي العام، لقد كانت الأربع ساعات الفاصلة، ساعات جحيم يبرر ما وقع في الأسواق العامة والمحلات التجارية.. للأسف ليس هناك كفاءة في إيصال المعلومة للناس، زد على ذلك بلاغات وزارة الصحة واضطرابها..
 
* لكن ألا ترى أننا أمام مستجد وبائي غير مسبوق، يفسر هذا الارتباك الحاصل في تدبير الأزمة؟
- هذا ليس مبررا، ونحن في بدايات الأزمة الوبائية، والمفروض إعادة استراتيجية التعامل الحكومي مع التطورات المتلاحقة في ظل ضغط الشارع لمعرفة الحقائق، والابتعاد عن ضغط الشائعات التي أصبحت مكثفة، وهذا يخلق حالات هلع ورعب، والمطلوب الاستعانة بالمتخصصين في مجال التواصل الاجتماعي، في ظل واقع الجميع يدرك أن إمكانياتنا «على قد الحال». فعلى الأقل عندما ندبر المشكل نفسيا سيسهل علينا ضبط سلوكات المواطنين، الظرف حساس ولا يحتمل أي خطأ في التواصل ستكون له تبعات اجتماعية، وتدبير الأزمات من صميم عمل الحكومة بالدرجة الأولى، ثم لابد من التقائية في التدبير العام.