أكد المشاركون في ندوة فكرية، نظمتها أكاديمية المهدى بن بركة للأبحاث وللدراسات والاجتماعية والثقافية العمالية، يوم الجمعة 14 مارس 2020، بالمقر المركزي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء، أن النموذج التنموي الجديد، في حاجة مماثلة للتعبئة الروح التي سادت خلال طريق الوحدة سنة 1957 والمسيرة الخضراء في سنة 1975.
وشدد المتدخلون، في هذا اللقاء، على أن النموذج التنموي الجديد ليس مجرد عملية تقنية خالصة، أو مسألة اقتصادوية محضة، يكفى أن تناط بتكنوقراط أو اختصاصين أو مسؤولين عن مكاتب دراسات واستشارات مشددين في هذ الصدد على ضرورة اعادة الاعتبار لروح وفلسفة طريق الوحدة، خاصة على مستوى تعبئة القوى الحية وفئة الشباب، وتجاوز الرؤية التكنوقراطية الضيقة في التعاطي مع المشاريع ذات الطبيعة التنموية والاقتصادية، مع إدماج بعين الاعتبار الابعاد ذات الطبيعة السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية.
وأثار المشاركون إلى أهمية العمل التطوعي وراهنيته، وإعادة الاعتبار الى قيم الحركة التطوعية التي شكلت -كما قال الأستاذ عبدالله ساعف، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية الذى أدار هذا اللقاء- مدرسة حقيقية، داعيا الى العمل على تجاوز ما يلاحظ من "خيبة الأمل، وانطفاء شعلة الوطنية"، وذلك بإعطاء انطلاقة ودفعة جديدة لاستعادة الروح والقيم التي رافقت اعداد وتنفيذ مشروع طريق الوحدة.
وشدد ساعف أن "مقاومة النسيان"، في هذا السياق، تعد مسألة أساسية من زاوية التاريخ المباشر الذى يتميز راهنا بطغيان اللجوء إلى "المباشرية واللحظية" مع ارتفاع منسوب "الفردانية" على حساب العمل الجماعي هذا الأخير الذى يشكل قيمة مطلوبة في ظل التحولات المجتمعية، ويقتضى حاليا منهجية عمل تستند على تشخيص دقيق لوضع اليد على المشاكل الأساسية المطروحة، بهدف إيجاد الحلول الملائمة باستحضار المتغيرات المجتمعية الراهنة. وعبر عن الأمل في تجميع مختلف أعمال ونصوص المهدى بن بركة عوض تركها مشتتة.
وقال معروف الدفالي، أستاذ التاريخ الراهن بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن الهدف من مشروع طريق الوحدة كان أوسع من تعبيد طريق بين تاونات وكتامة، يتمثل في حماية البلاد من عودة الاستعمار ومحاربة التخلف وقوى الجمود فضلا عن جعل العنصر البشرى، الرأسمال الحقيقي مع التركيز على التربية والتعليم والمعرفة وفئة الشباب "بناة الاستقلال"؛ معبرا عن اعتقاده بأن طريق الوحدة وإن "اجهضت عمليا"، فإنها ظلت حاضرة في أذهان ووجدان المغاربة، بفلسفتها ورموزها ودروسها العميقة.
أما حسن أميلي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية، فركز في مداخلته على الدور الذى قام به المهدي بن بركة، من أجل تنفيذ مشروع طريق الوحدة، عبر العمل التطوعي للشباب المغربي، وان يكتسي طابعا رمزيا ويجسد بذلك التحاما ملموسا بين منطقتي الشمال والجنوب؛ موضحا أن طريق الوحدة، كانت مدرسة كبرى لتكوين المسيرين الذين كان من المقرر أن يشرفوا في ما بعد على مشاريع تنموية أخرى بالجهات التي قدموا منها.
وأضاف أن أوراش مشروع طريق الوحدة التي انطلقت في مستهل يوليوز 1957 وتستغرق يوميا بواقع خمس ساعات ونصف الساعة في الفترة الصباحية، في حين تخصص ساعات بعد الظهر وقسطا من المساء لتنفيذ البرنامج الموجه للمتطوعين للتكوين في المجالات الفكرية والتربوية والثقافية والعسكرية والرياضية؛ موضحا أنه تم شق طريق طولها 60 كلم تمتد ما بين تاونات وكتامة للربط بين الشمال الذى كان يقع تحت الاحتلال الإسباني والجنوب الذي مزقه الاحتلال الفرنسي.
أما جمال المحافظ، رئيس المركز المغاربي للدراسات في الاعلام والاتصال، فاعتبر أنه بغض النظر على ما راكمته هذه التجربة التطوعية الفريدة، ليس على المستوى الوطني فقط، بل على مستوى ما كان يطلق عليها بلدان العالم الثالث التي عانت بدورها من معضلة الاستعمار، كما عانى منها المغرب، كان من الممكن -إن توفرت إرادة سياسية حينها- سيتم مواصلة مشاريع أخرى وفق نفس الرؤى والخطط، وأن يشكل مشروع طريق الوحدة مدرسة حقيقية وبداية فعلية لبناء مغرب جديد.
وتساءل هل يمكن أن نأمل ونحن نسترجع في هذا اللقاء قيم طريق الوحدة، في أن نتمكن من إبداع مشروع مبتكر آخر وبرؤية متجددة، يستلهم فيه روح وقيم هذا المشروع، ليكون نبراسا لإعادة بعث مبادرات في قيمة ومستوى هذه التجربة، يلتف حولها شباب الألفية الثالثة كما التف رفاقهم بالأمس من أجل الكفاح لنيل الاستقلال، وشق طريق الوحدة الذى كان يحظى برعاية المغفور له الملك محمد الخامس.
وكان عثمان باقة، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قدم في بداية اللقاء فكرة عامة عن دواعي تنظيم أكاديمية المهدي بن بركة، يندرج في اطار البرنامج العام للأكاديمية الذى استهلته بالدرس الافتتاحي للمفكر محمد سبيلا، وترمي إلى إثارة نقاش علمي حول الذاكرة الوطنية واستلهام العبر منها، والقضايا التي تشغل الرأي العام من قبيل الاصلاح الدستوري والحريات العامة منها حرية الرأي والتعبير. وأضاف باقة في افتتاح هذه الندوة الفكرية التي تابعها عدد من قيادة الكونفدرالية في مقدمتهم عبد القادر الزاير كاتبها العام، أن مشروع طريق الوحدة، كان في حقيقة الأمر مدرسة نموذجية، يعود الفضل في تحقيقها الى الشهيد المهدي بن بركة، وحظيت بإجماع وطني قل نظيره.
تجدر الاشارة إلى أن الهدف، من هذا المشروع الذي شارك فيه زهاء 11 ألف شاب يمثلون مختلف جهات البلاد، لم يكن هو شق الطريق الذى كان من الممكن ان تتولاه المصالح التقنية بالأشغال العمومية والتجهيز، بل كان بناء الإنسان، وأن يحتل طريق الوحدة مكانته ضمن الحملة الوطنية لتعبئة القوى الحية، لبناء استقلال المغرب الجديد. ويندرج المشروع في إطار الحملة الوطنية لتعبئة القوى الحية، "نموذجا اختباريا سيسمح نجاحه بفتح الطريق لمشاريع أخرى، من أجل التطور الاقتصادي والاجتماعي بالاعتماد على الامكانيات المحلية والوطنية"، كما جاء في رسالة المهدي بن بركة إلى المغفور له محمد الخامس.
فالغاية الرئيسية طريق الوحدة -كما حددها المهدى بن بركة- في عرض افتتاحي لسلسلة الدروس بمركز تكوين المسيرين لهذا المشروع بغابة المعمورة بسلا سنة 1957، تتمثل "فضلا عن ربط شمال وجنوب المغرب الذي مزقته وتكالبت عليه القوى الاستعمارية، في "إعداد المواطنين الذين سيكونون طلائع الجماهير الشعبية"، وتمكينهم من فرضة "تكوين خاص عبر تزويدهم بمعلومات ضرورية عن حالة البلاد، وما تتطلبه من علاج وتجنيد لبناء الاستقلال".