كل يوم يتصرف منتخبو الجماعات الترابية في حوالي 5 ملايير و200 مليون سنتيم، وينفقون أغلبها في جوانب هامشية أو شخصية، لا تصب في خدمة المصالح المباشرة لأوسع فئة من الناخبين. فمن أصل كل درهم ينفق سنويا كاستثمار عمومي بالمغرب، تجد أن العشر منه (10 في المائة) مصدره الجماعات الترابية.
وإذا علمنا أن حجم الاستثمار العمومي قد قفز من 48 مليار درهم عام 2003 إلى 187 مليار درهم عام 2016، فإننا نعي أهمية بروفيل المنتخبين بالجماعات الموكولة إليهم صرف هذه الاعتمادات الضخمة التي تقارب 19 مليار درهم سنويا.
لكن للأسف بدل أن تحرص الأحزاب على انتقاء بروفيلات كفؤة وغيورة لخدمة الصالح العام وترشحها لشغل منصب رئيس جماعة أو جهة أو مجلس عمالة، نجد أنه من أصل 26 ألف منتخب جماعي بالمغرب لا يشكل «الأصفياء» و"الأتقياء" في سلالة المنتخبين سوى القلة، في حين أن نسبة مهمة من مدبري الشأن العام يصنفون إما في خانة «سارقي المال العام» أو في خانة مبذري المال العام بسوء أو بحسن نية. وفي كلتا الحالتين يكون المتضرر الأول والأخير هو المواطن الذي تقتطع من جيبه الضرائب المفروض أن تنفق على الصالح العام.
نعم، في كل بقاع العالم هناك فساد وهناك منتخبون فاسدون أو مبذرون، لكن الفرق بين الأمم المتمدنة وبين المغرب، يكمن في تفعيل آليات الرقابة والتطبيق الصارم لمبدأ «لي فرط يكرط»، وهو ما يجعل «الخسارة» و«الفساد» في تلك الدول في عتبة مقبولة، بينما بالمغرب نجد أن الفساد وسوء التدبير وخيانة الأمانة وإهدار موارد الجماعات في أوجه تافهة هو «الرياضة الوطنية» المفضلة في أغلب الجماعات الترابية الموزعة على 12 جهة و13 عمالة و62 إقليم و1503 جماعة (لم نحتسب ثمان عمالات مقاطعات بالبيضاء لأنها لا تتوفر على الشخصية القانونية، وبالتالي لا يوجد فيها مجلس إقليمي وميزانية).
فرغم تعدد المعمار الرقابي بالمغرب، نلاحظ أن هذه الطوابق المؤسساتية (مفتشيات عامة بالوزارات، المفتشية العامة للمالية، المفتشية العام للإدارة الترابية، المجالس الجهوية للحسابات، النيابة العامة بالمحاكم)، لم تنهض كضامن لحماية المال من العبث أو السرقة على يد منتخبين خانوا الثقة الموضوعة فيهم. كما أن تواطؤ مسؤولين إداريين وتقنيين بالمديريات أو الأقسام أو المصالح التابعة للجماعات الترابية مع المنتخبين الفاسدين يسائلنا جميعا لإيجاد ميكانيزمات تحد من نزيف الفساد، بالنظر إلى أن "الموس وصل للعظم".
الانتخابات المقبلة على الأبواب، والاجتماعات التمهيدية التي باشرتها الأحزاب (أغلبية ومعارضة)، لا تبشر بأن «فلوس الشعب» ستكون في أياد أمينة في الاستحقاقات القادمة ما دامت نفس الأسماء ونفس الأساليب في اختيار المرشحين هي الثابتة.
فالمؤمن لا يلدغ من الجحر نفسه مرتين.. وما أكثر جحور ثعابين الفساد!!