الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل :أيها الريسوني..حقوق الإنسان كل لا يتجزأ

سعيد الكحل :أيها الريسوني..حقوق الإنسان كل لا يتجزأ سعيد الكحل

نشر الدكتور الريسوني مقالا تحت عنوان "أنا مع الحريات الفردية" بتاريخ 19 أكتوبر 2019 . ولم يكن هدفه مراجعة مواقفه من الحريات الفردية والدفاع عنها ، بل مهاجمة وتفسيق دعاتها .

فالريسوني تناسى مواقفه العدائية ضد الحريات التي لا تخضع لمعاييره "الإيديولوجية" التي ألبسها لبوسا فقهيا ، وتجاهل مناهضته لمطالب الهيئات النسائية والحقوقية والثقافية بالحق في ممارسة تلك الحريات في أبعادها الفكرية والفنية والإنسانية والسياسية . ويجدر هنا تذكير د.الريسوني بسابق مواقفه لعل الذكرى تنفع المؤمنين .

جاء في مقالك الأخير قولك ( وبفطرتنا أيضا نرغب في أن نرى ونسمع كل أشكال الإبداع والجمال، وأن نستمتع بالسياحة والتجوال، وأن نمارس ما يناسبنا من الأنشطة والأعمال)، قول حق يراد به باطل .

ألم تحرِّم الأنشطة الفنية والمهرجانات الموسيقية بكل أنواعها التي تشهدها المدن المغربية وتهاجمها ؟ أليس هذا ما كتبته في مقالك تحت عنوان"المغرب اللامع مغرب ما بعد الحداثة" (مهرجانات الموسيقى والرقص ـ وما يتخللها ـ أصبحت طوفانا لا يبقي ولا يذر: مهرجان الموسيقى الروحية بفاس، مهرجان “طانجاز” بطنجة، مهرجان الصويرة للموسيقى العالمية، مهرجان “اكناوة”، وربيع الصابيات بالصويرة أيضا، مهرجان “موازين” بالرباط وسلا، مهرجان الرباط الدولي، مهرجان العيطة بآسفي، مهرجان “اعبيدات الرمى” بخريبكة ووادي زم…

وهكذا من السعيدية والحسيمة، إلى إفران وصفرو، إلى أكادير والعيون، مرورا بالثانويات والمعاهد والكليات…وكأن الشعب المغربي يعاني من مجاعة موسيقية، موسيقى في المؤسسات، موسيقى في الشواطئ، موسيقى في الشوارع، موسيقى في الحدائق. وحين يقال “موسيقى” فهو عنوان مهذب ومختصر تنطوي تحته كل ممارسات الحداثة و”ما بعد الحداثة”: سكر وحشيش ورقص وزنى وشذوذ جنسي وفكري)؟؟ فأين الحرية التي تزعمها وأنت تحرّم وتُحْرم ملايين المغاربة من ممارسة حريتهم في الاستماع والاستمتاع بالألوان الفنية التي يحبون ؟

هل موقفك وأنت تحرّم المهرجانات نابع فعلا من فطرتك أم إيديولوجيا التطرف التي تسعى لفرضها على الشعب المغربي وتنميط تفكيره وسلوكه وذوقه ؟ كيف تستكثر على المواطنين مجرد حضور مهرجان فني وتزعم في نفس الوقت (نعم أنا مع الحريات الفردية، ممارسةً ومناصرة.. فما لا يحصى من الحريات الفردية أمارسها وأناصرها..ولـمَ لا وهي فطرةُ الله التي فطر الناسَ عليها)؟؟ دعني أقول لك إن مفهومك للحريات يناقض المفهوم المتعارف عليه دوليا والذي تقره كل الديمقراطيات ، وإليك بيانه :

1 ـ حرية اغتصاب القاصرات: خاض د. الريسوني ، حين كان رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح ، حربا "دينية" ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية . وكانت من بين أهدافه منع رفع سن زواج الإناث إلى 18 سنة . فالريسوني كما باقي شيوخ وفقهاء الهوس الجنسي لا يرون في الأنثى إلا جسدا للمتعة لا تخضع الاستفادة منه لأي سنّ أو قرار من الفتاة بل ولي أمرها يقرر نيابة عنها . لقد تخلى الريسوني عن ضميره الإنساني وحسه الأخلاقي وهو يرجع سبب ظاهرة الأمهات العازبات ، في مقال بعنوان "تكريم المرأة على الطريقة الحداثية" إلى منع تزويج القاصرات الذي اعتبر مطالبة الحداثيين به بمثابة "تضييق مسالك الحلال".

فالريسوني الذي يحدثنا عن الحريات الفردية اليوم لم يدرك بعد، أن المطالبة برفع سن الزواج إلى 18 سنة هو ضمان لحقوق الفتاة في ممارسة حرية الاختيار وفي التربية والتعليم وحماية صحتها النفسية والجسدية . كما لم يدرك بعد أن زواج القاصرات والتغرير بهن واغتصاب الطفلات وتجريم الإجهاض من الأسباب الرئيسية لظاهرة الأمهات العازبات .

2 ـ لا حرية للمرأة في الزواج بدون ولي : سيظل بيان الريسوني بتاريخ فاتح يناير 2000 الذي يناهض فيه مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية وصمة عار تطارده والحركة التي كان يرأسها . هكذا اعتبر البيان أن تجاوز الولاية في الزواج "يصادم أحكام الشريعة" ويبطل الزواج. ومعنى هذا مصادرة صريحة لحق المرأة وحريتها في تزويج نفسها ، وفي امتلاك جسدها . فجسدها في حكمه ملك لولي أمرها قبل الزواج ، ولزوجها بعد الزواج . فعن أية حرية يتحدث الريسوني ويزعم الدفاع عنها ؟ فكيف يُحْرم الريسوني المرأة من الولاية على نفسها ثم يدافع عن حقها في ممارسة حريتها ؟

3 ـ لا حرية للزوجة في الطلاق : هذه واحدة من القضايا التي ناهضها الريسوني وطائفته بحجة أن تمكين المرأة من حقها في الطلاق سيخرب الأسر ويصادم الشريعة . ويأتي اليوم الريسوني ليحدثنا عن الحريات الفردية وهو الذي لم يقر حرية الزوجة في فسخ عقد الزواج ؟ وهذا الرفض هو شرعنة للعبودية وتجريد للمرأة من كل حرياتها وحقوقها وتحويلها إلى رهينة بيد الزوج ومملوكة له وجارية لديه وملك يمينه .

4 ـ لا حرية للعلاقات الرضائية بين البالغين : لا يكف الريسوني عن مهاجمة دعاة الحرية ورفع التجريم عن العلاقات الرضائية . ( ومن ذلك أنهم حصروا مسمى “الحريات الفردية” في بعض الممارسات الشاذة والأفعال الساقطة؛ كالزنا والشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية. بمعنى أن حرياتهم الفردية، وحملاتهم المسعورة لأجلها، تنحصر في محرمات الفرج والدبر.) . طيب يا دكتور ، هلا شرحت لنا طبيعة العلاقات الجنسية التي افتضح أمرها بين قيادات حزبك وحركتك داخل المغرب وخارجه ؟ فهل تدخل ضمن "الجنس المقدس" الذي عرّفته في مقالك بأنه (حرية حقيقية مسؤولة، ومتعة وسعادة، وأمن واستقرار، وحب ووفاء، وسكينة ومودة، وتعاون وتكامل، وصحة وسلامة وعافية، وإنجاب وتربية، وبناء وتنمية، وأرحام تتراحم، وروابط عائلية تتألف وتتآلف. وفوق هذا كله: رضى الله وجزاؤه.) أم "الجنس المدنس"، الذي في تعريفك ( متعة مختلسة، وعشرة مريبة، ومودة كاذبة، وتربصٌ ومخادعة، وأمراض متنقلة، ونهاية –في أغلب الأحيان– مأساوية) ؟؟

هنا أريد مناقشتك في خمس نقاط :

الأولى :أنك كنت أحد المشاركين في مؤتمر علماء المسلمين في القاهرة والموقعين على بيانه التحريضي على القتال في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية وفي صفوفها ، وهي التنظيمات التي مارست أبشع الجرائم وأفظعها في حق السوريين من سبي واغتصاب وتقتيل وتهجير . فقل لنا أيها الفقيه العلاّمة هل العلاقات الجنسية التي يفرضها الإرهابيون على بنات ونساء سوريا المسبيات تدخل ضمن "الجنس المقدس" أم "الجنس المدنس" ؟ فكيف لك تحرّم العلاقات الرضائية وتناهضها بينما تحرّض على أفعال "الجهاد" وعلى رأسها سبي النساء واغتصابهن وبيعهن جواري وإماء ؟؟ أين هي فتاواك التحريمية من جرائم الإرهابيين في بنات ونساء سوريا والعراق ؟؟

الثانية :أنك قدّمت شهادة زور لتغطي على فضيحة بنحماد والنجار بشاطئ الصويرية ، فهل كانت علاقاتهم الجنسية قبل حادث الشاطئ وأثناءه علاقة "شرعية" أم "رضائية" ؟ هل كانت "سكينة ومودة" أم "متعة مختلسة" ونهاية مأساوية" ؟؟ ونفس الأمر يتعلق بباقي الحالات التي افتضح أمرها بين أعضاء حزبك وحركتك والتي لا تخفى عليك تفاصيلها .

الثالثة : في عز الفضائح الجنسية لتوفيق بوعشرين والتي كان عليك أن تحتكم إلى ضميرك الديني والإنساني وتنتصر للضحايا ، خرجت بمقالة تدافع فيها عن بوعشرين وتحوّله من مجرم مغتصِب إلى ضحية مغتصَبة . أليس هذا موقفك(وأما النسوة اللاتي يتم إخفاؤهن في القاعة المغلقة، فمن المؤكد الآن أنهن قد ساهمن أو استعملن في اغتصاب رجل: في أمنه وعِرضه وحريته وكرامته ومهنته)؟ هل العلاقات الجنسية التي أقامها بوعشرين مع الضحايا جائزة شرعا أم محرّمة ؟ وهل تدخل ضمن العلاقات الرضائية التي تناهضها أم العلاقات الجنسية الشرعية التي تبيحها ؟ خلال هذه المدة لم يصدر عنك موقف ولا رأي من هذه العلاقات ؟

الرابعة : وتتعلق بهاجر بنت أخيك حيث عطّلت كل فتاواك بتحريم العلاقات الجنسية قبل الزواج وبتحريم الإجهاض . فكلما تعلق الأمر بأهاليك وأتباعك تراجعت عن التحريم وكأن أحكام الدين تخص فقط غير الموالين لك . هكذا جعلت الفتوى تدور مع هواك كما جعلت الدين أصلا تجاريا تتصرف فيه وفق مصالحك وأهوائك . ( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ).

الخامسة : لمزك لأحدى المحتجات من أجل سراح ابنة أخيك بعبارات فاحشة كلها خسة ونذالة (ولقد رأينا مؤخرا بعض النسوة الخاسرات يرفعن لافتات تُصرح بأنهن يمارسن الجنس الحرام ويرتكبن الإجهاض الحرام. هكذا لقنوهن.. مع أن الظاهر من سوء حالهن أنهن لن يجدن إلى الجنس سبيلا، لا حلاله ولا حرامه.) . فأنت بعباراتك هته لم تلتزم بتعاليم الدين ( ويل لكل همزة لمزة ) (ولا يسخر قوم من قوم ) (ولا تنابزوا بالألقاب) ( ولا تسبّوا ) ولا بموعظة الرسول الكريم (من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فغنم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له) ، ولا أنت جسدت أخلاق المسلم ولا تصرفت بمروءة وإنسانية فتشكر المشاركات والمشاركين في الوقفات الاحتجاجية من أجل قريبتك . فاللائي تظاهرن من أجل إطلاق سراح ابنة أخيك تسَامَيْن عن الحزبية والإيديولوجيا والطائفية ، ولولاهن ما بلغ الخبر للملك ولما أصدر عفوه عنها . فهن من أثرن قضية هاجر وجعلنها قضية رأي عام وطني ودولي في الوقت الذي أنت وطائفتك بلعتم ألسنتكم ولم تجرؤوا حتى على التظاهرة مناصرة لها ودفاعا عن حقها في التصرف في جسدها . وكيف لك أن تفعل وفي قلبك غل للحداثيين ولعموم المناضلين والمناضلات من اجل حقوق الإنسان في كليتها . فحاملة اللافتة التي سخرت منها تذكّرك وأمثالك أن غالبية النساء ربطن علاقات جنسية قبل الزواج ومارسن الإجهاض بمن فيهن قيادات في حركتك وحزبك وبمن فيهن قريباتك وعلى رأسهن هاجر . ما يعني أنهن جميعا ارتكبن أفعالا يجرّمها القانون ،ومن ثم فالقانون صار متجاوزا وغير صالح ، وبالتالي لا حاجة للمجتمع به مما يستوجب تغييره والإفراج عن هاجر ومثيلاتها المعتقلات بنفس التهم. لكن الخسة واللؤم أعميا بصيرتك .

لعلمك سيدي ، سنظل ، نحن الحداثيات والحداثيين ،نناضل من أجل رفع التجريم عن الإجهاض والعلاقات الرضائية حتى يصير أمثال بنحماد والنجار يمارسون علاقاتهم الحميمية في "حرية حقيقية ، ومتعة وسعادة" بدل " متعة مختلسة ونهاية مأساوية" ، كما ناضلنا حتى صارت بنخلدون وماء العينين تستفيدان من التطليق للشقاق رغما عن مناهضتهما لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية .

لهذا لا تتعب نفسك سيدي في فرض اختياراتك علينا وتحديد ما هو جائز من حقوق الإنسان وما هو غير جائز . فحقوق الإنسان كل لا يتجزأ وهي نفس الحقوق التي إذا ابتُلي أتباعكم أو ظُلموا احتموا بها واستمسكوا.