الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

ممثل النيابة العامة يفتح أبواب زنزانة بوعشرين في سجن عين البرجة للعموم

ممثل النيابة العامة يفتح أبواب زنزانة بوعشرين في سجن عين البرجة للعموم المسعودي، نائب الوكيل العام للملك باستئنافية الدار البيضاء (يسارا) وتوفيق بوعشرين

يبدو أن المتهم توفيق بوعشرين، مدير نشر "أخبار اليوم"، كان يعلم بأن جلسة فاتح أكتوبر 2019، ستكشف كل أوراقه، وتفضح مزاعمه بشأن ما ادعاه من تعرضه لتعذيب نفسي في سجن عين البرجة بالدار البيضاء، لهذا رفض الحضور للجلسة رغم إنذاره وتوجيه أمر بالإحضار عن طريق القوة العمومية من قبل هيأة الحكم برئاسة الأستاذ الطلفي، مما اضطر هذا الأخير لاستكمال مدارسة الملف استنادا على المادة 423 من قانون المسطرة الجنائية، بحضور دفاع المتهم.

 

فما الذي كان بوعشرين يريد إخفاءه عن الرأي العام الوطني؟

الخلاصة التي قدمها الأستاذ المسعودي، ممثل النيابة العامة بغرفة الجنايات بالدار البيضاء، أن بوعشرين يقضي عقوبته السجنية بنوع من التمييز، لكنه تمييز إيجابي، تفوق امتيازاته ما يقبع فيه عشرات الآلاف من نزلاء السجون، كيف ذلك؟

 

من خلال توطئته في بسط عناصر مرافعته التي امتدت لثلاث ساعات بدون انقطاع، جدد الأستاذ المسعودي، نائب الوكيل العام للملك، التأكيد على أن خلفية اعتقال المتهم بوعشرين هي خلفية إجرامية تتعلق بالاتجار بالبشر، وليس على أساس فكري أو لممارسته للصحافة.. مذكرا بأن القلم الذي يدعي صاحبه بأنه يحاسب على منشوراته، ليس هو القلم الذي تسبب له في المثول أمام المحكمة، مادام أنه استخدم عضوا من أعضاء جسمه لممارسة الاستعباد الجنسي ضد ضحاياه، اللواتي كسرن الصمت بفضحهن وجها لوجه كل ما مورس عليهن من معاملات مشينة وحاطة بالكرامة.

 

وشدد ممثل النيابة العامة على أن لا أحد منزه عن السقوط في الجرائم الجنسية من الوزير إلى الغفير، ومن المؤمن إلى الملحد، ومن المتعلم إلى الأمي.. ضاربا الأمثلة بعدد من الشخصيات التي كانت تمارس التقية وهي في حقيقتها تمارس الاستعباد الجنسي في أخس مظاهره، بدءا من طارق رمضان إلى ستروس مدير البنك الدولي..

 

بعد ذلك انتقل الأستاذ المسعودي إلى دحض مزاعم المتهم ودفاعه كونه يعيش نوعا من التعذيب النفسي داخل سجن عين البرجة، حيث يقضي عقوبة 12 سنة سجنا نظير جرائمه؛ ونجح ممثل النيابة العامة في نقل تفاصيل مهمة من قلب السجن تظهر الحقيقة الكاملة، بعد أن تم تكليفه رفقة زميله حكيم الوردي بإنجاز محضر حول حقيقة هذه الادعاءات، لاتخاذ اللازم في حق من ثبت تورطه في التسبب بانتهاكات حقوقية.

 

تمت الزيارة في يونيو 2019، مباشرة بعد إثارة مزاعم التعذيب، حيث تصادفت الزيارة مع خروج المتهم بوعشرين للفسحة بساحة السجن، مرتديا لباسا رياضيا، إذ رحب بممثلي النيابة العامة، داعيا إياهما لزيارة زنزانته التي أكد التقرير المنجز أنها بمساحة مقبولة نظيفة بسريرين علوي وسفلي ينام المتهم على فراش وثير في السفلي ويضع ملابسه المرتبة بعناية في العلوي، تتوسط الزنزانة مائدة وضعت عليها جرائد ومجلات وطنية ودولية من بينها العدد الأخير من "لوفيغارو"، وفي زاوية السجن كتب وقواميس متنوعة التخصصات، حيث كشف المتهم أنه خلال فترة سجنه منذ نهاية فبراير 2018 استطاع قراءة 165 كتابا، كما تضم زنزانته شاشة تلفزيون من الحجم المتوسط يتابع عبرها المتهم مجريات الأمور من خلال القنوات الإخبارية والترفيهية، وتزامنت الزيارة مع عرض نشرة إخبارية لقناة "فرانس 24"، إلى جانب جهاز راديو وقارئ الأقراص المضغوطة.

 

الزنزانة كانت تفوح عطرا، من خلال أجود العطور الموضوعة على منضدة وضعت بعناية رفقة قطع من الشوكلاطة الرفيعة، ومواد الحلاقة والتنظيف؛ وفي زاوية أخرى من الزنزانة علقت ساعة حائطية وصور لأفراد أسرته، وتوسطت الزنزانة زربية من الحجم الصغير، وأيضا هناك مسخن للأطعمة، إذ تصادفت الزيارة مع تحضير المتهم للقهوة، ملتمسا من ممثلي النيابة العامة مشاركته..

 

بالنسبة للزنزانة، فهي تقع في الطابق العلوي من السجن في ممر طويل يضم 8 زنازين أخرى فارغة، مع التأكيد أن باب زنزانته يظل مفتوحا 24/24. وبعد أن طلب منه الأستاذان المسعودي والوردي مرافقتهما للتعرف على باقي مرافق السجن، نزع التيار الكهربائي عن المسخن الآلي، ورافقهما، وقبل النزول لساحة الفسحة، مر من جانب زنزانة أخرى مجاورة له، وأخذ منها قنينة ماء من الحجم المتوسط، ولما سُئل عن صاحب هذه الزنزانة أقر بأنها تابعة له، يتخذها فضاء لخزن أطعمته وشرابه، ووقف ممثلا النيابة العامة على محتوياتها الغذائية، وفضاء للطبخ بأوانيه ومستلزماته.

 

ساحة السجن هي على شكل مثلث، أو ما يصطلح عليه "فريميجة"، تضم فضاء لكرتي السلة والقدم، قال المتهم إنه يمارس فيهما الرياضة، وخصوصا المشي، لمدة ساعة، يعني أكثر من المدة المسموح بها لعموم النزلاء.. وعند الاستماع له من قبل نائبي الوكيل العام للملك، كشف أنه يعاني من العزلة حيث لا يسمح له بمخالطة باقي النزلاء، كما لا يسمح له باقتناء المواد الغذائية بنفسه من المقتصدية، ولا تتعدى مدة الزيارة العائلية 45 دقيقة، ويشتكي من المراقبة المشددة وسوء التفتيش المفاجئ بطريقة قاسية ومبالغ فيها من طرف موظفي السجن، على حد تعبيره.. مضيفا أنه لا يسمح له بزيارة الطبيب رغم معاناته من السكري بشكل دائم، وألم على مستوى أعلى رقبته يسبب له قلة النوم.. وهو ما وعده الزائران بحله وفق النظم القانونية التي تؤطر المندوبية العامة لإدارة السجون.. الزيارة امتدت على 4 ساعات من المعاينة والتحقيق.

 

وعند الاستماع لمدير السجن المحلي عين البرجة، أكد في تصريحات مكتوبة أنه بمجرد وضع المتهم في السجن، تم مده بنسخة من الكتاب المتضمن للحقوق والالتزامات للنزلاء، والكشف عنه طبيا بانتظام، وكانت أجوبة المدير على الشكل التالي:

- بالنسبة لمطلب الاختلاط مع باقي النزلاء فقد تمت الاستجابة له، وعند نقله نحو الزنازن الجماعية المشتركة، رفض ذلك وتراجع بالقول أنه يريد فقط نزيلين أو ثلاثة يكونوا رفقته في الزنزانة..

- بالنسبة لاقتناء حاجياته الخاصة، فالمقتصدية مفتوحة في وجهه طيلة أيام الأسبوع، على خلاف باقي النزلاء الذين لهم الحق في التسوق مرة واحدة في الأسبوع.. وكشف مدير السجن أنه بالرجوع لسجل معاملاته المالية فقد بلغت 32 ألف و345 درهما، كمصاريف شخصية بين مارس 2018 ويونيو 2019.

- بالنسبة لادعاءات التفتيش، فإدارة السجن تتعامل معه بحذر بعد أن غرر بموظف سجن تسبب له في عقوبة حبسية، كان قد وعده بحل وضعيته الاجتماعية شرط مده بهاتف نقال.. مما استلزم معه التفتيش بين الحين والآخر وفق الضوابط القانونية.

- بالنسبة للزيارات العائلية فهي منتظمة، وفي الوقت الذي لا تتعدى فيه الزيارة 30 دقيقة، فهي بعد رسالة استعطاف من المتهم للمندوب العام، ارتفعت لـ 45 دقيقة، وفي الوقت الذي لا يتجاوز عدد الزائرين 3 أشخاص لكل نزيل، فإن ذلك يفوق العدد القانوني في حالة المتهم بوعشرين، وفاقت عدد الزيارات العائلية له 70 زيارة منتظمة، مع حفظ حقه في التخابر مع أعضاء هيئة دفاعه.

- بالنسبة لتواصله مع العالم الخارجي، فهو يراسل أسرته باستمرار، والمنع يطال المراسلات التي تكون مخالفة للقانون، ويستفيد من حقه في الاتصال الهاتفي لمدة 10 دقائق عوض 5 دقائق القانونية.

- بالنسبة لادعاء مرضه، أكدت طبيبة السجن أن حالته مستقرة، بل وأحسن من معدل السكري في الدم مقارنة مع قبل السجن، والتعب الذي يحس به على مستوى رقبته راجع لسنوات عمله المكتبي قبل الاعتقال، بدليل انتظام في ممارسة كرة السلة. ومع ذلك فالحق في الصحة مكفول له، من حيث الفحوصات الطبية وإجراء التحاليل.

 

هي إذن مزاعم استطاع ممثل النيابة العامة دحضها، واعدا هيئة الحكم باستكمال مسيرة الحقيقة الكاملة في جلسة الجمعة 4 أكتوبر 2019.