الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

نجيب بحاجة: دهاليز التعليم في سلك الماستر، دراسة في بعض الإكراهات، كلية الحقوق نموذجاً

نجيب بحاجة: دهاليز التعليم في سلك الماستر، دراسة في بعض الإكراهات، كلية الحقوق نموذجاً نجيب بحاجة

يعتبر سلك الماستر أو ما يعرف بالسلك الثالث، أهم محطة يمر منها الطالب الباحث بصفة عامة والطالب في الحقوق بصفة خاصة، ذلك أن حصول هذا الأخير على الإجازة الأساسية أو المهنية في إحدى شعب القانون (العام أو الخاص)، لا يمده بالمعاريف القانونية الدقيقة اللازمة لاندماجه في الحياة المهنية وكذا لكون الشهادة المحصل عليها، خاصة الإجازة الأساسية، تتطلب حصر البحث والدراسة في إحدى التخصصات القانونية لتعميق البحث أكثر وكذا لمالمسة واستعاب الإشكالات العلمية والعملية المحيطة به. من هنا يأتي منطق وجود ما يعرف بسلك الماستر والذي كان يسمى من قبل ديپلوم الدراسات العليا المعمقة (DESA) بالنسبة للماستر المتخصص، وديپلوم الدراسات العليا بالنسبة للماستر الباحث، وذلك قبل اعتماد النظام البيداغوجي الجامعي (LMD) الإجازة الماستر الدكتوراه.

إلا أن الدراسة في سلك الماستر سواء الماستر الباحث أو المتخصص، تعرف مجموعـة من الإكراهات والمشاكل تجعل من هذه المحطة غير ناجعة في حياة الطالب الباحث كما تحول دون توفير تكوين جيد لخرجي هذا السلك، ولعلّ جل هذه الإكراهات تتعلق أساساً بثلاث مراحل، تبتدأ بمرحلة الولوج (أولاً)، مروراً بمرحلة التكوين (ثانياً) وأخيراً الآفاق المفتوحة في وجه خرجي الماستر (ثالثاً).

أولاً: على مستوى الولوج

إن هاجس الولوج إلى سلك الماستر هو أول ما يشغل بال كل خريج من سلك الإجازة يطمح إلى تعميق معارفه في مجال تخصصه، ولن نبالغ إذا قلنا أن مسألة الولوج إلى سلك من أسلاك الماستر هي أصعب خطوة تعترض الطالب بعد حصوله على الإجازة أو ما يعادلها، هذه الصعوبة تبدو من خلال مجموعة من الشروط المجحفة أحيانا في حق الطالب، وعموما يمكن أن نجمل هذه الصعوبات -المتعلقة بمرحلة الولوج- فيما يلي :

- قلة المقاعد المتوفرة مقارنة بعدد المتخرجين كل سنة:

وهذا ما يجعل من الولوج للدراسة في في سلك الماستر أشبه بخوض حرب، فقد يبلغ أحياناً عدد المتبارين على المنصب الواحد أزيد من 15 مترشح، زد على ذلك اعتماد بعض الكليات لسياسة احتكار المقاعد لخريجيهم وإعطاهم الأولوية في الترشح لاجتياز المباراة وكذا في الولوج بعد إجراء الانتقاءات المؤهلة لذلك، وهذا طبعا يتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص ومع فكرة كون مباريات الماستر مباريات وطنية. إن سياسة الاحتكار هذه غير مُعلنة لكنها تتضح جليا من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين عدد المترشحين للماسترات عند الإعلان عن افتتاحها وعدد الناجحبن بصفة رسمية، فتجد أغلب الناجحين من خريحي الكلية.

- شروط مجحفة في الترشح:

تذهب بعض الكليات إلى اعتماد شروط جد مجحفة في حق الطلبة الراغبين في الترشح لأسلاك الماستر ومن جملة هذه الشروط الأخذ بعين الاعتبار عدد الميزات المحصل عليها في سنوات الإجازة، هذا حسب رأينا يعد وجه آخر من أوجه ضرب مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على ميزات في فصول الإجازة ويرغبون في استكمال دراساتهم في الماستر مما يجعل عدد كبيرة من الطلبة خارج مضمار التباري.

تعتمد كذلك بعض الجامعات ( جامعة عبد المالك السعدي على سبيل المثال ) شرط توفر الطالب على بكالوريا جديدة للقبول في الانتقاء الأولي الذي ينبني على أساس سلم تنقيطي يبدأ رأساً من سنة الحصول على شهادة البكالوريا، بحيث كلما كانت هذه السنة بعيدة عن سنة الحصول على الإجازة لكما هزلت النقطة الممنوحة في اعتبارها، وهذا في نظرنا لا يعدو أن يكون ضربا آخر من ضروب الإقصاء غير المباشر مادام أن الشهادة الأساسية للولوج إلى سلك الماستر هي الإجازة (الاساسية/المهنية) أو ما يعادلها وليست شهادة البكالوريا بعينها.

- عدم توفر بعض الكليات على التخصصات الأساسية في أسلاك الماستر:

مما يحتم على الطلبة المنتمين إلى هذه الكلية التي غالباً ما تكون كليات متعددة التخصصات وقد تكون كليات للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لكنها لا تتوفر على اعتمادات فتح تخصصات في سلك الماستر، وضع ملفات ترشحهم لدى كليات أخرى وما يرافق ذلك من صعوبات، أو الاكتفاء بالترشح للماسترات المتوفرة لدى كلياتهم والتي قد لا تناسب توجهاتهم بالنظر إلى التخصصات المتوفرة.

- الاعتماد على الوسائل التقليدية في عملية التسجيل:

إذا ما استثنينا عملية التسجيل القبلي التي باتت في الآونة الأخيرة تتم عبر مواقع إلكترونية معدة لذلك، فإن ما يستتبعها من إجراءات التسجيل الأخرى لا زالت تقليدية إلى حد بعيد، فعلى الطالب بعد انتقائه أولياً أو قبل ذلك أن يتوجه إلى إدارة الكلية لوضع ملفه وهذه العملية في نظرنا غير تقدمية ترهق المترشحين ماديا، وتبعد الإدارة الجامعية والإدارة المغربية بصفة عامة عن مطلب تأهيل الإدارة وحوْكمتها، خصوصاً ونحن في سياق متغيرات كبرى تسدعي النهوض بالإدارة الإلكترونية في شتى المجالات.

ومن هنا فإننا ننوّه إلى ضرورة العمل على هذه المسألة وجعل إجراءات التسجيل تتم إلكترونية بالكامل لرفع الحرج على الطالب المترشح.

كل هذه المعيقات وأخرى تعترض الطالب خريج سلك الإجازة والراغب في استكمال دراسته في سلك الماستر، بعيداً عن ما يمكن قوله حول مسألة الشفافية في قبول الترشح وما يثار في هذا الصدد من نقاشات كبيــرة كانت أخرها في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسطات

وكذا في الموسم الجامعي المنصرم بظهر مهراز، حيث تسربت أحد المكالمات الهاتفية التي توثق تفاوضات بين أحد الراغبين في الولوج إلى الماستر وأحد السماسرة في هذا المجال وما رافق ذلك من استنكار كبير من لدن الرأي العام تحركت على إثره السلطات المختصة لبحث مسؤوليات المتورطين في هذه القضية.

ثانياً: على مستوى التكوين

إذا كان بإمكاننا تقييم التكوين في سلك الماستر فإن أقل ما يمكن القول فيه أنه بعيد كل البعد عن الجودة والنجاعة، وذلك راجع إلى مجموعة من الأسباب أبرزها التأخر في بدأ الموسم الدراسي الناتج بدوره عن التأخر في إجراء الإختبارات الكتابية والشفوية المؤهلة للولوج، زد على ذلك الغياب المتكرر غير المبرر لبعض الأساتذة الذين لا يولون أهمية لحصصهم المبرمجة لفائدة طلبة الماستر، قد يقول قائل أن التكوين في سلك الماستر يعتمد بالدرجة الأولى على مدى رغبة الطالب في البحث والتحصيل وأن التعليم في هذا السلك تعليم أفقي يتجاوز مفهوم التعليم التلقيني العمودي كون الأستاذ ملقن والطالب متلقن، إلا أنه إذا كان بالإمكان قبول هذا القول في الماسترات الباحثة، فإنه مردود عندما يتعلق الأمر بالماسترات المتخصصة التي تمزج بين ما هو نظري وبين ماهو تطبيقي والحال أن هذا الأخير لا يتأتى إلا بحضور أساتذة كفء متمرسين ومتخصيصين في المجال، ولا يمكن للطالب بأي حال من الأحوال أن يستوعب المادة بالبحث النظري الصرف.

هذا بالإضافة إلى غياب التخصص بمفهومه الحقيقي، فبعض الماسترات لم تأخذ من التخصص إلا إسمه مادامت تجمع بين العديد من المواد التي لا تربط بينها أي علاقة.

زد على ذلك اعتماد منهج تدريسي تقليدي يقوم على طريقة إنجاز العروض من طرف المجموعات وإلقائها داخل القاعة حيث يصبح الأمر والحالة هذه شكلي فقط دون أدنى استفاذة خصوصاً في الماسترات المتخصصة التي كما سبق القول تقوم على المقاربة التطبيقية كأسلوب أساسي، وقد نوّه إلى هذه المسألة العديد من الأساتذة بعد أن لمسوا ضعف منهجية العروض في إعطاء منتوج علمي ذو جودة.

كما أن اعتماد بعض الكليات في المغرب على طريقة الجدع المشترك في أسلاك الماستر تعد هي الأخرى عائقاً أمام التكوين الجيد، حيث يتم دمج عدد من التخصصات في السنة الأولى في مجموعات مشتركة تشترك في بضع مواد، وهذا الأمر غير ملائم مع طبيعة التكوين في السلك الثالث التي تستلزم احترام مبدأ التخصص، كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الإهتمام بتحيين الملف البيداغوجي لبعض التخصصات وذلك بحذف بعض المواد وزيادة أخرى تماشيا مع التغييرات الواقعة في المنظومة القانونية، وكذا استجابة لمتطلبات سوق الشغل.

إن الحديث عن التكوين في سلك الماستر ينطوي على إشكالات واقعية حقيقة، تستدعي بالضرورة إعادة النظر في المنهجية البيداغوجية المعتمدة من طرف الوزارة، كما تتطلب أيضا الحرص كل الحرص من طرف الأساتذة خصوصاً المنسقين البيداغوجيين على توفير مناخ دراسي يُنتج خريجين أكفاء.

ثالثاً: على مستوى الآفاق

مما لا شك فيه أن كل طالب ولج سلك الماستر يطمح إلى إيجاد فرصة عمل سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام تتلائم والتكوين الذي تلقاه في دراسته، فالافتقار إلى مهارات وكفاءات مهنية دقيقة في ميدان الشغل، واحدة من أهم العوامل المؤثرة في نسبة توظيف المتخرجين الجدد من سلك الماستر، ومن هذا المنطلق، كان لابد من إعادة النظر في ملاءمة التكوين مع سوق الشغل، فالملاءمة في هذه الحالة تعني قدرة الجامعات، عبر توسيع العرض التكويني وإشراك المهنيين في وضع الهندسة البيداغوجية للتخصصات خصوصاً منها المتخصصة مع الأخذ بعين الاعتبار التخصصات المطلوبة ووضع حد لبعض التخصصات التي يجد أصحابها بعد تخرجهم أي أمل في ولوج سوق الشغل.

إن الحديث عن موضوع ملائمة التكوين لسوق الشغل موضوع على درجة كبيرة من الأهمية لارتباطه بمؤشر اجتماعي أساسي هو البطالة، وهذا ما يفسر

انكباب الحكومة المغربية بتعليمات من جلالة الملك، على وضع استراتيجية من شأنها حل هذه المشكلة.

كما تجدر الإشارة إلى أنه لا يجب اعتبار هذه المسألة نقطة الانطلاق الفعلية لامتصاص بطالة الشباب خريجي سلك الماستر، بل إن الورش الحقيقي والممهد لثورة حقيقية في هذا الصدد يبقى هو تأهيل التعليم في سلك الإجازة والأسلاك الأخرى الأولية والثانوية، كل ذلك من أجل الحد من تفريخ طلبة بشواهد فارغة.

إن مرحلة التعليم في سلك الماستر أهم مرحلة يمر منها الطالب الباحث لهذا وجب على كل المتدخلين في هذه المرحلة بدءا من الوزارة العمل على تخليق وترشيد المنهج الدراسي البيداغوجي في هذا السلك الأساسي، لإنتاج أفواج من الطلبة الباحثين ذوي الكفاءات العالية وبالتبع الرقي بالتعليم العالي والجامعة المغربية بصفة عـامة.

نجيب بُحاجة، طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، تطوان