الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

البدالي: ماذا بعد دراسة وزارة إعداد التراب الوطني للتعمير والإسكان حول مناخ العقار؟

البدالي: ماذا بعد دراسة وزارة إعداد التراب الوطني للتعمير والإسكان حول مناخ العقار؟ صافي الدين البدالي
أنجزت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، في الأيام الأخيرة دراسة حول مناخ العقار في البلاد، وكشفت هذه الدراسة عما وصفته بـ "مخاطر الرشوة في قطاع التعمير والعقار " وبأن الرشوة في قطاعي التعمير و العقار " ظاهرة معقدة وتتخذ أشكالا وأبعادا مختلفة". كما وقفت الدراسة على أن %78 من حالات الفساد تهم الارتشاء والتلاعب في الأثمنة. لكن السؤال الذي يظل مطروحا هو التالي:
ما هي الإجراءات القضائية التي تم اتخاذها للحد النهائي من هذه الظاهرة ؟
لأن الاكتفاء بإعداد دراسة و اكتشاف مظاهر الفساد والرشوة بنسبة % 78 في القطاعين ،إنما هي محاولة الوزارة المعنية وحكومتها الهروب إلى الأمام موهمة الرأي العام على أنها قامت بالواجب، بدل تحمل مسؤوليتها في تردي الأوضاع بهذين القطاعين والتصدي لمظاهر الفساد ونهب المال العام.
لقد تعود الشعب المغربي على عدمية التقارير الحكومية عندنا في البلاد ، لأنها غالبا ما تسعى من خلالها إلى تغطية عيوبها وعجزها عن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم قدرتها الوصول إلى المسئولين "الحقيقيين "من أصحاب شركات عقارية ورؤساء جماعات .!! وإلا فلماذا لا تحيل وزارة الإسكان التقارير التي أنجزها قضاة المجلس الأعلى للحسابات في الشق المتعلق بالتجزيء على الأقل، والتي وقفت على مظاهر الفساد والرشوة في عمليات التجزيء بعدد من الجماعات الترابية على القضاء ؟ هذه التقارير التي وقفت على جانب من التلاعب في احتساب الكلفة الحقيقية لتجهيز الأراضي التي تشملها عمليات التجزئة، بحيث تكتفي الجماعة بالاستناد على التكلفة المحتسبة والمصرح بها من قبل الشركة المجهزة والتي تعتمد في جميع الأحوال من قبل الجماعة ككلفة حقيقية لأشغال التجهيز دون التحقق من هذه التكلفة !!، وذلك بطلب الوثائق التي تثبت التكلفة الحقيقية .
وتجدر الإشارة إلى أن مبلغ الرسم لا يصفى إلا اعتمادا على التكلفة الحقيقية للأشغال المحتسبة من قبل الجماعة،الشيء الذي يجب أن يتم عند تسليم شهادة المطابقة، كما هو منصوص عليه بالمادة 62 من القانون رقم 06 - 47 المتعلق بالجبايات المحلية، وما يقوم به المجزئ هو تحديد الكلفة بقيمة لا تتعدى مائة درهم للمتر المربع ، في حين أن المتوسط الوطني هو 300 درهم.
كما تجدر الإشارة إلى أن مبلغ الرسم يصفى اعتمادا على التكلفة الحقيقية للأشغال المحتسبة من قبل الجماعة وليس من قبل الشركة، الشيء الذي يؤكد وجود شبهة رشوة من خلال التلاعب في تحديد القيمة الحقيقية لعملية التجزيء، وكذلك بالتحايل على المساحات المصرح بها للتجزيء .
وكنموذج في هذا السياق، سبق للفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام لجهة مراكش أسفي أن تقدم بشكايات لدى محكمة الاستئناف بمراكش في الموضوع ضد مجموعة من الجماعات المحلية بالجهة، بناء على تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 والتي طالت أزيد من 15 جماعة ترابية بالجهة .
وقد تم تقدير الأموال التي تم تفويتها عن 11 جماعة فقط بالجهة ب 33 مليون درهم في ظرف سنتين، إلا أن القضاء لا زال لم يتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بالرغم من الاستماع في هذه الشكايات لرئيس الفرع الجهوي لجهة مراكش أسفي من طرف الشرطة القضائية لجرائم الأموال بمراكش .
إذن فإن العبرة ليست بالتقارير والدراسات ووضعها في الرفوف لردم الحقيقة التستر على المجرمين، ولكن العبرة تتجلى في ربط المسؤولية بالمحاسبة واعتماد مبدأ المسائلة وعدم الإفلات من العقاب.
صافي الدين البدالي، فاعل حقوقي وسياسي