الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الرحيم بوعيدا: في استيراد الفرح

عبد الرحيم بوعيدا: في استيراد الفرح عبد الرحيم بوعيدا

في علم الاقتصاد عندما تنقطع سلعة من السوق المحلية نتوجه للخارج لاستيرادها وسد النقص في سوق الطلب..

الفرح اليوم أضحى هو الآخر عملة نادرة سلعة مفقودة بلغة الاقتصاد، لذا نبحث عنه في كل مكان نطارده وحين لم نجده محليا وفي واجهات عدة بحثنا عنه في الرياضة علها تنسينا ما افسدته السياسة، ونسينا في غمرة البحث أن الرياضة هي أيضا سياسة عمومية تصرف عليها أموال طائلة من أجل أن تنسي المواطن لحظات انتكاسة جل القطاعات العمومية التي يمكن أن تدخل عليه الفرح..

اليوم الفرح مفقود، ولم تسعفنا الرياضة في خلقه محليا، لذا حاولنا استيراده من مصر العربية بفوز جزائري لجارة يربطنا معها التاريخ واللغة والجغرافيا، لكن أيضا تفرقنا معها السياسة..

جارة تختلف مشاعرنا تجاهها، فهي خصم وعدو ومهدد لوحدتنا الترابية، هكذا يراها البعض أو هكذا يحب أن يراها.. لكنا جميعا توحدنا حولها وهتفنا باسمها عاليا وحملنا أعلامها ببساطة، لأن أغلبنا يبحث عن لحظة فرح عابرة، حتى ولو كانت خيط دخان، أوليست الكرة أفيون ومخدر، لذا ننفق عليها بسخاء ولا نحاسب من يتولون أمر الصرف على قطاعها، تماما كالمهرجانات التي تجمع الناس حول متعة عابرة حالما تنتهي بسرعة..

الجزائر أهدتنا فرحا مستوردا يحمل نكهة بمعاني متعددة، لكن أهم ما فيه أننا أثبتنا للعالم أننا محتاجون لفرح كيفما كان نوعه ينسينا خيبات تعليم بلا هوية وصحة بلا استراتيجية وسياسيين بلا رؤية..

فرح في كرة عابرة وضعنا أمام أسئلة حقيقية، هو فرح للجارة التي طالما اعتبرها البعض عدو وخصم، لكنه فرح وضعنا أمام أنفسنا لنعيد قراءة كل الأحداث التي مرت ونسائل كل برامج التنمية حتى لا نصادر الفرح باسم الحفاظ على الأمن..

ما وقع في مدينة العيون أحد أكبر حواضر الصحراء يعيد طرح نفس السؤال القديم الجديد، بناء الثقة عبر مسار طويل لازال لم يتحقق.. إنه طرح سؤال بصيغة أخرى، لماذا نخشى الفرح بالجزائر داخل الصحراء !!

الفرح نفسه كشعور تقاسمه جل المغاربة شمالا وشرقا وجنوبا أيضا، لكنه هنا فرح مغلف بالسياسة وبإشكالية بناء الثقة؛ وفوق هذا وذاك فهو يسائل السياسات العمومية داخل المنطقة نفسها التي خلقت نخبا متوحشة استولت على مقدرات الإقليم، وخلقت تمايزا اجتماعيا أدى إلى نشأة جيل جديد، إما محبط أو محكوم بسياسة ريعية مبنية على الولاءات، أو جيل مهاجر في قوارب موت محقق هروبا من تنمية لم تلامس يوما في الصحراء عمق الإشكاليات الحقيقية لأن أغلب النخب السياسية المتحكمة في المجال لا ترى سوى مصالحها الانتخابية المستقبلية، ولا تفكر بتاتا في مستقبل كل هذه الأجيال التي تهاجر للبحث عن وطن بديل يضمن الكرامة والصحة والتعليم..

موت فتاة تبحث عن فرحة مسروقة من زمن مباراة هو موت للسياسة نفسها، الموت هنا مهما كانت مسبباته يسائل السياسات العمومية ويطرح مفهوم الجهوية نفسها كخيار استراتيجي علقت عليه كل الآمال في الحد من كل هذه المظاهر التي لم تلامس عمق الإشكال داخل هذه المنطقة..

أين موقع الأرقام الخيالية التي أهدرت داخل المجال؟ أوليست هذه الفرحة التي تحولت إلى غم لدى بعض الأسر، محكا حقيقيا لإعادة تشكيل الذاكرة من جديد؟ أليست محاكمة للشعارات التي يرفعها البعض مدافعا عن التنمية التي يختزلها في بنيات تحتية أو نافورات أو مسابح مغلقة أو حتى مفتوحة؟!..

قد نستورد القمح والتكنولوجيا والمواد الغذائية، لكن حتما لن نستطيع استيراد الفرح بصناعة خارجية.. الفرح شعور تماما كما هو الحزن، لكنهما مرتبطين بسياق الزمن الذي نعيشه داخل الوطن نفسه، وهو ليس مرتبطا بالرياضة لأنها مجرد تصريف لكل هذه الشحنات التي نراكمها من كل الخيبات التي نعيشها يوميا..

الفرح كل لا يتجزأ والمغاربة يحتاجون لفرح دائم تصبح فيه الرياضة مجرد مكمل لا تعويض.. أو مخدر..

الجزائر أهدتنا فوزا بطعم الجوار ومعه أيضا كم من التساؤلات حول المستقبل وحول بناء التنمية وتأسيس قواعد الثقة في العلاقة مع الساكنة داخل المناطق الصحراوية التي تهتز فيها هذه الثقة كل مرة حتى في مباراة عابرة لكنها بحمولة سياسية..

سؤال النخب السياسية في الصحراء يطرح إشكاليات حقيقية وتحديات واضحة، ليس على الدولة نفسها التي ألفت تكوين نخب معينة لأسباب معروفة، لكن التحدي الأكبر على المواطن الذي يختار..

فإذا كان السارق التقليدي يختار ضحيته ليسرقها، فإن المواطن في العملية السياسية يختار سارقه وهو على معرفة تامة به؛ وهنا يكمن الفرق الحقيقي بين هذا وذاك..

ختاما رحم الله من قضوا نحبهم في لحظة فرح مستوردة.. وتعازينا الخالصة لذويهم..