الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

البشير الحداد الكبير: المغرب مدرسة دولية في محاربة الإرهاب.. أية وصفة معتمدة؟

البشير الحداد الكبير: المغرب مدرسة دولية في محاربة الإرهاب.. أية وصفة معتمدة؟ البشير الحداد الكبير

أصبحت الظاهرة الإرهابية تحتل المرتبة الأولى من بين القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني والدولي.. فإذا كان القرن العشرين شهد حربين عالميتين طاحنتين وحربا باردة، فإن القرن الحادي والعشرين منذ بدايته إلى يومنا هذا لم يسلم هو كذلك من ويلات الحروب وحرب جديدة تسمى "الإرهاب". فمصطلح الإرهاب يصعب إعطاء تعريف محدد له، إلا أننا نعتبره ذلك السلوك العدواني أو العنف الصادر عن جماعات متطرفة. فهجمات 11 شتنبر سنة 2001 كانت وراءها عواقب وخيمة على جميع دول العالم بما فيها المغرب. ففي سنة 2003 اهتزت مدينة الدار البيضاء على واقعة أليمة، وكل المغاربة يتذكرون أحداث 16 ماي 2003. لكن هذه الحادثة لم تجعل المغرب منهزما، بل زادته عزيمة على مواجهة الظاهرة الإرهابية وأصبح أكثر يقظة من قبل.

لكن ما يمكن ملاحظته أن المغرب كان يعيش فراغا تشريعيا في مجال مكافحة الإرهاب، فهذه الحادثة المأساوية دفعته إلى مراجعة حساباته وتدارك الموقف وإصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وهو القانون 03.03.. ومن خلال قراءة أولية لهذا القانون الجديد، نجد أن المشرع المغربي أدخله ضمن مجموعة القانون الجنائي، حيث حدد الأفعال التي تدخل في نطاق الجريمة الإرهابية وحدد العقوبات المقررة لها، بل أكثر من ذلك جرم استخدام الأموال من أجل تمويل العمليات الإرهابية، و حدد المساطر الخاصة بالجريمة الإرهابية، بدءا من البحث التمهيدي إلى التحقيق الإعدادي ثم المحاكمة وجعل النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط هي ذات الاختصاص في مثل هذه الجرائم، حيث هي التي تشرف على ضباط الشرطة القضائية.

وما يمكن ملاحظته ان أعضاء الجماعة المتطرفة التي قامت بتلك العملية الإرهابية في الدار البيضاء كانوا يعانون من الفقر، وبالتالي فالسؤال المطروح ما هي الوصفة التي اعتمدها المغرب حتى يصبح قويا بهذا الحجم الذي نشهده اليوم في مجال محاربة الإرهاب؟

إن الإستراتيجية التي اعتمدتها المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس، لم تعتمد فقط على المقاربة الأمنية، بل اعتمدت على مقاربات أخرى جعلتها تجربة ناجحة رائدة على الصعيد الدولي.

كما هو معلوم أن الملك محمد السادس منذ توليه العرش تبنى مفهوما جديدا للسلطة في الخطاب الملكي بتاريخ 12 أكتوبر 1999، ومعنى هذا أن السلطة أصبحت قريبة من المواطن في إطار ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق و القانون.. إذ بالرجوع إلى تقرير الخمسينية نجده ينص على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، وبالتالي عمل المغرب جاهدا على تصحيح الاختلالات. وهنا نجد أن الإستراتيجية المغربية في محاربة الإرهاب قامت على البعد الاجتماعي والاقتصادي. ففي سنة 2005 وبالضبط بعد سنتين من حادثة 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، أطلق الملك ورشا إصلاحيا مهما أطلق عليه بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تعرف حاليا نسختها الثالثة، بعد انقضاء أجل النسخة الأولى والثانية.. فالنسخة الأولى استهدفت 4 برامج، برنامج محاربة الفقر بالعالم القروي، برنامج محاربة الاقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري، برنامج محاربة الهشاشة، والبرنامج الأفقي. بينما في النسخة الثانية تم استهداف برنامج واحد وهو برنامج التأهيل الترابي.. أما النسخة الثالثة (2019-2023) استهدفت 4 برامج، برنامج تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية، برنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشة، برنامج تحسين  الدخل، وأخيرا برنامج الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.. فالنسختان السابقتان ساهمتا في تقليص وتيرة الفقر ومحاربة البطالة والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وتم بناء ملاعب القرب حتى ينشغل الشباب بالرياضة ويملأ وقت فراغه.

كما أنه من بين المخططات التي اعتمدها المغرب في محاربة الإرهاب، أنه لم يعد يعتمد على الفلاحة بالدرجة الأولى، وإنما انشغل بقطاعات أخرى أكثر أهمية (صناعة السيارات والطائرات) من أجل خلق فرص الشغل للشباب حتى لا يكون عرضة للجماعات الإرهابية، وهذا المخطط عرف بالإقلاع الصناعي.. وبالتالي مما لا شك فيه بهذه الاستراتيجية حدثت طفرة من الناحية الاجتماعية منذ تولي الملك العرش، فقد تم تقليص درجات الخطر الإرهابي.. وما يمكن ملاحظته أيضا أنه بفضل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس تغيرت المؤسسة السجنية من النظرة التقليدية إلى النظرة الحديثة، حيث أصبحت مكانا لإعادة الهيكلة بالنسبة للسجناء وأصبح بإمكانهم متابعة الدراسة داخل المؤسسة السجنية أو التكوين المهني، كما أنه بعد خروجهم من المؤسسة السجنية يمكنهم الولوج إلى مؤسسة إعادة إدماج السجناء وإعطائهم فرصة جديدة في الحياة من خلال مشاريع.. وبالتالي يتحول السجين من نظرة اليأس الى الأمل. إذ نجد أن الملك اتبع نهج والده الملك الحسن الثاني رحمه الله، حينما قال في إحدى الخطب الملكية: "إن الوطن غفور رحيم". و لعل الزيارة التي قام بها العاهل المغربي لأحد السجون بمدينة الدار البيضاء منذ 3 سنوات فيها أكثر من دلالة، وهي إعادة الاعتبار للسجين، حتى أن السجناء الذين تم سجنهم بسبب جرائم إرهابية يشملهم العفو الملكي، وبالتالي يتحولون من مواطنين غير فاعلين في المجتمع إلى مواطنين أكثر فعالية ونشاط، ويتم منحهم فرصة مرة أخرى للتوبة والرجوع إلى الصواب.. فالسجين بهذه الاستراتيجية الحكيمة ستتغير صورته للحياة ولن يكون حاقدا على الدولة، خصوصا أن رؤية المجتمع للسجين تظل محتقرة لكن بفضل الرؤية الملكية سيكتسب السجين ثقته في نفسه وسيشق طريقه نحو النجاح. فالعديد من الأشخاص الذين تم اعتقالهم وسجنهم بسبب جرائم إرهابية وشملهم العفو تغيروا وأصبحوا في أفضل حال، بفضل المشاريع التي منحت لهم بعد إعادة ادماجهم.

كما أن النموذج التنموي الذي اعتمده المغرب سنة 2011 بناء على ملخصات اللجنة الاستشارية حول الجهوية ساهم هو كذلك في خلق فرص الشغل، وكان إحدى الركائز التي اعتمدها المغرب في استراتيجية محاربة الإرهاب، لأن المغرب اقتنع أنه لا يمكن محاربة الإرهاب فقط من الزاوية الأمنية أو القانونية، بل هناك سلاسل مكملة في حلقة محاربة الإرهاب. فالجانب الاجتماعي والاقتصادي له دور مهم في تفادي انخراط المواطن المغربي في الجماعات الإرهابية.

ومن بين العوامل التي ساهمت في نجاح التجربة المغربية في محاربة الإرهاب، الاستقرار والأمان الذي ينعم به المغرب، خصوصا أن القارة الإفريقية وبعض الدول العربية ينعدم فيها الأمن والسلم، مما جعل المغرب بيئة أكثر استقطابا للاستثمار.. فالمغرب أدرك جيدا أن العامل الاقتصادي سيساهم في نجاح الاستقرار السياسي، وأن الدولة لا يمكنها استيعاب جميع المغاربة في الوظيفة العمومية، وبالتالي فالقطاع الخاص له دور مهم في خلق فرص الشغل للشباب وإنقاذهم من شبح البطالة، لأن الفراغ هو مفتاح كل شر. وفي سنة 2014 سن المشرع المغربي قانونا جديدا يقضي بتجريم الالتحاق ببؤر التوتر بكل من سوريا والعراق، وذلك من أجل الحفاظ على النظام العام.

وبما أن الإرهاب أصبح يعتمد على ظاهرة جديدة، وهي وسائل التواصل الاجتماعي، قام المغرب باعتماد مقاربة جديدة بالإضافة إلى المقاربة الاقتصادية والاجتماعية، هناك المقاربة الدينية.. فالجماعات الإرهابية أصبحت تستهدف الشباب الفارغ فكريا وروحيا، وبالتالي كان من الضرورة مواجهتها بأفكار. فالمغرب لحسن الحظ دولة إسلامية تقوم على المذهب المالكي القائم على الوسطية والاعتدال، والملك حسب الفصل 41 من دستور 2011 هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، وبالتالي قامت وزارة الأوقاف، ومازالت تقوم، بهذا الدور النبيل في سبيل الحفاظ على أمن الدولة، بتوعية المجتمع وإبعاد المساجد عن كل ما هو سياسي، وأصبحت لها أدوار مهمة تتجلى في تنوير فكر الشباب. وقام المغرب ببناء مؤسستين مهمتين في المجال الديني "مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة"، على اعتبار أن المغرب عضو نشيط في الساحة الدولية ويلتزم بنشر السلم والأمن في العالم وفي إفريقيا خاصة.. فالمغرب عاد بكل قوة إلى بيته الإفريقي "الاتحاد الإفريقي"، ويبذل جهدا كبيرا في محاربة الإرهاب ومنع انتشاره بالقارة الإفريقية؛ ثم "معهد محمد السادس لتكوين الأئمة و المرشدين و المرشدات".

أما على الصعيد الأمني، فالمقاربة الأمنية المغربية مبنية على الضربات الاستباقية، إذ في سنة 2015 تم تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. فمنذ تأسيسه إلى يومنا هذا قام بتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية بفضل الرؤية الاستباقية، ورغم كل هذه الجهود المبذولة نجد أن ضمن هذه الخلايا الإرهابية شباب في مقتبل العمر يسهل تمويههم وغسل أدمغتهم بالفكر الداعشي نظرا لفراغهم الديني والفكري.. وبالتالي يسهل استقطابهم. كما أن المغرب كان أكثر صرامة في محاربة الإرهاب، إذ أن كل إشادة أو تشهير أو إعجاب بعمل إرهابي يعرض صاحبه إلى الاعتقال من طرف المصالح الأمنية.

وفي إطار السياسة الحكيمة للملك محمد السادس، تم اعتماد هذه السنة "التجنيد الإجباري" كمقاربة ضمن الإستراتيجية المغربية في محاربة الإرهاب، حتى يتم تربية الشباب المغربي على حب الوطن والوطنية ويسهل إدماجهم في سوق الشغل أو بالقوات المسلحة الملكية، وكذلك اكتساب مهارات وشخصية قوية متوازنة، حتى لا يكون الشباب المغربي عرضة للجماعات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي الأخير يمكن القول إن المغرب أصبح، بكل صدق وموضوعية، مدرسة عالمية ونموذجا يحتذى به في مجال محاربة الإرهاب، وجميع دول العالم بما فيها الأوروبية أصبحت تطلب مساعدة المغرب لكي يمدها بخبراته الاستخباراتية في مجال محاربة الإرهاب؛ وهذا كله ثمرة كفاح وجهود بدأها المغرب منذ حادثة 16 ماي 2003، حيث أن تلك الحادثة كانت سببا واضحا في نهوض المغرب ومحاربته للإرهاب؛ وأصبح بذلك تجربة ناجحة على الصعيد الافريقي والدولي.