السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد شكاك: في الحاجة إلى البحث التربوي لتحسين الممارسات المهنية للمدرسين

سعيد شكاك: في الحاجة إلى البحث التربوي لتحسين الممارسات المهنية للمدرسين سعيد شكاك

يعد البحث التربوي أحد فروع البحث العلمي وهو دراسة دقيقة مضبوطة تهدف إلى توضيح مشكلة تربوية أو تعليمية أو حلها في مجالاتها المختلفة كالمشكلات التربوية (تعليمية تعلمية) تتصل بالمنهاج، الكتب المدرسية، الإدارة المدرسية، طرق التدريس، الإشراف والتوجيه التربوي، الضعف في التحصيل، والاختبار والتقويم وأساليبهما ووسائلهما، أو ما يتصل منها بأساليب التعلم والتدرب. ثم المشكلات النفسية المتصلة بمشاعر التلاميذ وسلوكهم كالخوف والخجل والانطواء والكذب. ثم المشكلات الاجتماعية المتصلة بالهروب من المدرسة، والعدوان وعلاقة المدرسة بالبيئة الاجتماعية وعلاقات التلاميذ مع المدرس ومع بعضهم البعض. وأخيرا المشكلات المادية المتصلة ببيئة المدرسة ومرافقها (الحديقة، المكتبة، المختبر).

البحث التربوي دراسة علمية مباشرة يقوم بها فرد أو جماعة، تستهدف الوصول إلى حلول يمكن الإعتماد عليها للمشكلات المتصلة بإجراءات العمل الذي يعملون به، أو تدارك الأخطاء في الطرق والأساليب التي يستخدمونها في حياتهم اليومية، إنه بالتالي: صناعة قرار.

وينشأ البحث التربوي استجابة لموقف يواجهه الباحث المدرس ويكون موجها لخدمة جانب محدود يهم الباحث نفسه بالدرجة الأولى لاتصاله بمجريات حياته أو عمله. كما يعالج مشكلات على نطاق محدود تتصل بمواقف راهنة ولا يستهدف إطلاق التعميمات (مثل الدراسة التي يقوم بها الأستاذ(ة) للتغلب على الصعوبات التي يخلقها وجود فئة مستهترة من التلاميذ في أحد الصفوف).

وتتجلى أهمية هذا النوع من البحوث في كونها تمثل تصديا من صاحب المشكلة لمعالجتها، وغالبا ما يكون صاحب المشكلة أكثر تعايشا معها، أو أقرب إلى مصادر دراستها، ويهمه كثيرا أن يتعمق في فهمها، ويمكنه أن يستثمر نتائجها مباشرة. علاوة على أن هذا النوع من البحوث يشجع على توسيع قاعدة البحث العلمي بنقله من نطاق الاختصاص إلى كل القادرين على التفكير بأسلوب علمي. كما يمثل هذا النوع من البحوث معالجة فورية للمشكلات التي يواجهها الإنسان في عمله أو حياته، ومثل هذه المشكلات متكررة وكثيرة وتصادف الإنسان يوميا، وبعضها يكون على نطاق محدود جدا يندر أن يثير الاهتمام العام، ولذلك قد يمر وقت طويل على صاحب المشكلة حتى يتلقى حلا جاهزا لها، فتصديه هو نفسه لحلها يتيح له إمكانية تصحيح أخطائه وتحسين عمله في الوقت المناسب.

تجدر الإشارة إلى أن دوافع الباحث للقيام بالبحث التربوي تكون باعثة على العمل بصورة كبيرة جدا لأنه ينبع من إحساس فعلي بالمشكلة، ويخدم أغراض خاصة للاستثمار العاجل. كما لا يترتب على البحث التربوي الإجرائي بالضرورة تعميمات تكون موضع اختلافات باختلاف الظروف أو وجهات النظر، ولا يعاني الباحث في هذا النوع من البحوث من صعوبات الوصول إلى مصادر المعلومات أو في تحديد مجتمع الدراسة أو نوع العينة التي يشتقها منه. بالإضافة إلى أن استخدام نتائج هذا النوع من البحوث في مجريات العمل لا يستلزم بحوث تطويرية لأنه قائم أصلا على المجتمع الأصلي للدراسة.

تكمن سلبيات البحث التربوي في عدم إمكانية تعميم نتائجه على حالات أخرى إلا بالقدر الذي تتشابه فيه هذه الحالات مع الحالة الراهنة ومع خصائص الموقف التي تمت دراسته، ولهذا يسمى البحث التربوي الإجرائي بالبحث الموقفي أي أنه خاص بالموقف المدروس فقط، وقد لا يصدق على غيره.

فإذا اكتشفنا استنادا إلى البحث التربوي الإجرائي أن بعض التلاميذ يتغيبون كثيرا عن المدرسة بسبب المرض فإن هذه النتيجة لا يجوز تعميمها على التلاميذ المتغيبين في مدرسة أخرى فقد تختلف الأسباب هناك عنها هنا.

ويعتمد الباحث التربوي في إنجازه لبحثه على مجموعة من الخطوات الأساسية يمكن إجمالها فيما يلي: الشعور بالمشكلة وتحديدها؛ وضع الفروض الممكنة واختيار أنسبها؛ جمع المعلومات المتصلة بالمشكلة، تحليل البيانات وتنسيقها بشكل يساعد على تقديم تفسيرات؛ تساعد على اختبار صحة الفروض؛ التحقق من صحة الفروض والوصول لتعميمات؛ تقديم التعميمات بصورة تسمح باستخدامها في مواقف جديدة.

إن الهدف الأساسي من البحوث التربوية تقديم طرق للمدرسين الباحثين لحل مشكلات يومية في المدارس، بحيث يمكنهم من تحسين كل من تعلم التلاميذ وفاعلية المدرس. وعندما يكتسب المدرسون فهما جديدا عن سلوكياتهم وسلوكيات تلاميذهم من خلال البحث الإجرائي، فإنه تزداد ثقتهم بأنفسهم عندما يتخذون قرارات مستندة إلى معلومات عما ينبغي تغييره وربط المعرفة السابقة بمعلومات جديدة، والتعلم من الخبرة (حتى في حالة الفشل)، لكي يكونوا مهنيين في حل المشكلات وملتزمين بتحسين ممارستهم ونتائج تلاميذهم، وهو ما يشكل سببا قويا لممارسة البحث التربوي.

وعليه، فإن المنطلق الأساس للبحث التربوي التدخلي أن المدرس ليس مجرد ناقل للمعرفة، وإنما هو ممارس باحث يتعلم ويعمل على تحسين وتطوير ممارساته المهنية لتطوير مستوى التعليم والتعلم.

دكتور باحث في السياسات العمومية