في الوقت الذي يجهد قضاة المجلس الأعلى للحسابات أنفسهم لإيداع موظف بسيط بجماعة قروية السجن أو"يجرجرونه" في المسارب الإدارية بسبب تجاوز شكلي في صفقة ما عبر توقيف مساره الإداري إلى حين تسديده لمبلغ تافه كغرامة (قد يكون 1000 أو 1500درهم).
وفي الوقت الذي نرى فيه "ممثلي الأمة" بالبرلمان يستأسدون على ممرض بسيط بمستوصف معدوم، أو على عون سلطة عادي بمركز حضري مهمش بتشكيل لجن للتقصي والتحري في تجاوز عادي.
وفي الوقت الذي نجد فيه الحكومة تقوم باستعراض عضلاتها على متقاعدين مقصوصي الجناح، أو على تجار صغار محرومين من أي شبكة اجتماعية
نجد حيتان التأمين بالمغرب "تتبورد" على المغاربة بدون رقابة وبدن قوة رادعة. فشركات التأمين( أو مافيا التأمين بتعبير أدق) تسرطنت في البلاد لدرجة أنها أضحت هي المشرع والمنفذ والقاضي تشفط الملايير من جيوب المغاربة دون أن تكون الأموال المجباة تتناسب مع الخدمات المقدمة أو تتناسب مع جودتها وتنوعها او تتلاءم مع السرعة في التجاوب لتنفيذ الأحكام القضائية لصالح المواطن.
فحتى التسهيلات البسيطة التي كان يستفيد منها الموظف البسيط مع وكالته لتسديد أقساط التأمين (على دفعتين او ثلاثة) ليظفر بوثيقة تأمين سيارته، أصبحت (أي التسهيلات) في حكم الماضي، بالنظر إلى الملاحقة القضائية التي تتهدد اليوم حوالي 2200 وسيط للتأمين من طرف مافيا شركات التأمين.
المثير للمفارقة أن شركات التأمين بالمغرب حققت السنة الماضية ربحا صافيا قدره 400 مليار و330مليون سنتيم (أي بزيادة قدرها 110مليار سنتيم عن أرباح السنة التي سبقتها !!)، وفي الوقت الذي كان الرأي العام المغربي ينتظر خطوة مفرحة من طرف شركات التأمين لإحداث رعشة إيجابية بالبلاد، إذا بمافيا التأمين تطعن المغرب والمغاربة من الخلف بهذا الإجراء.
كان مأمولا أن تزف شركات التأمين للمغاربة خبرا مفاده أن شركات التأمين ستتولى إحداث مؤسسة لتمويل دراسة 10.000طالب جامعي فقير كل سنة في تخصصات مختلفة، أو أن هذه الشركات ستتولى بناء وتجهيز 50 جناح للعظام بمستشفيات المغرب لمواجهة تداعيات حوادث السير، أو أن شركات التأمين ستمول إنجاز 50 باركينغ عمودي أو باطني بالمدن الكبرى كل باركينغ يستوعب الاف السيارات لتخفيف الاختناق المروري، إلخ.... لكن للأسف أظهرت شركات التأمين أنها مجرد "فامبير" vampire يمص دم المغرب بدون شفقة أو رحمة.
ويزداد الحنق حدة حين نستحضر أن رقم معاملات مافيا التأمين مافتئ يتعاظم كل سنة بنسب فلكية "على ظهر الشعب". وحسبنا هنا الاستشهاد بمعطى رسمي صادر عن هيأة مراقبة التأمينات، التي أكدت أن رقم معاملات شركات التأمين تجاوز 40 مليار درهم.
قد يقول قائل إن شركات التأمين تحتكم إلى القانون ولا تقوم إلا بتنفيذ مدونة التأمين رقم 17\99، وبالتالي علينا أن نحترم إرادة المشرع .هذا قول مردود بنسبة "مليار في المائة"، لأن مدونة التأمين أصلا مدونة ظالمة وتمت صياغتها في ردهات تشريعية مظلمة ومشبوهة وليس في قبة برلمان تحس أنه يمثل المافيا وليس برلمانا ديمقراطيا يمثل نبض المجتمع.
ففي عهد الأبارتايد (سياسة الفصل العنصري) بجنوب إفريقيا كان القانون يمنع على السود ولوج مقاهي او حافلات أو حدائق مخصصة للسكان البيض، ولما يضبط أحد السود يعتقل ويسجن "باسم القانون"، لكن السؤال المشروع هو: هل كان قانون الفصل العنصري بجنوب إفريقيا عادلا أم ظالما؟
تأسيسا على ذلك، نتساءل: هل القانون الذي يسمح بسحل المواطن "وتجفيف الأرض به" من طرف مافيا التأمين بالمغرب هو قانون عادل أم قانون مافيوزي؟
ذاك هو السؤال وتلك هي الإشكالية.