الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

الدكتور تدموري:النخبة الحاكمة ونظرية المؤامرة(3)

الدكتور تدموري:النخبة الحاكمة ونظرية المؤامرة(3) د. عبد الوهاب تدمري

تشرع جريدة "أنفاس بريس" نشر أجزاء من المقال التأملي للفاعل الحقوقي د. عبد الوهاب تدمري، وهو مقاربة سياسية لمحاولة الغوص في طريقة تفكير النخب الحاكمة بعد أن فشلت في تقديم نفسها بديلا للرعيل القديم، ليس كوجوه جديدة، بل بأفكار وتصورات سياسية، وغير مدركة لما يشهده المجتمع المغربي والعالم من حولنا من ارتجاجات وذلك من خلال الوقوف عند عنصرين يبدوان لي مهمين لفهم طريقة التفكير عندها.

أ/ في شأن إنهاء تجربة حكومة التناوب التوافقية:

يمكن القول إن السياقات التاريخية والسياسية التي تمخضت عنها حكومة التناوب التوافقية سنة 1998 كانت فرصة ملائمة لإنجاز انتقال ديمقراطي حقيقي. كما أنه وبالرغم من كل الانتقادات والمؤاخذات التي وجهت لها على كونها انتصرت لمنطق التوافقات وليس التعاقدات الملزمة للدولة والمجتمع، عبر دستور ديمقراطي انتقالي، إلا أنها كذلك اتسمت ببعض الإيجابيات التي أنعشت آمال الكثير من المغاربة في الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتخليق الحياة العامة. لكن النخب الجديدة المتحكمة في دوائر صنع القرار لم تكن مستعدة لإحداث التغيير المطلوب، خاصة في غياب ما يلزمها دستوريا ولا قانونيا، فعمدت إلى الإجهاز على حكومة التناوب التوافقية كأول مؤشر سلبي في اختبار النوايا، وإفراغ ما طرحته هذه الحكومة من مشاريع اصلاحية من مضامينها، وتعيين وزير أول من التكنوقراط في انتظار تهييء المولود السياسي الجديد. وذلك رغم أن الحزب الذي يرأسه الوزير الأول آنذاك كان قد تصدر الانتخابات التشريعية لسنة 2002، وهو ما يمكن اعتباره كأول انقلاب من طرف النخبة الجديدة على المنهجية الديمقراطية، مؤذنة بعودة المنهجية السابقة في تدبير شؤون الحكم والسلطة، لكن هذه المرة بمنطق القطع مع أحزاب الحركة الوطنية التي شكلت عنصرا أساسيا في تاريخ الممارسة السياسية لمغرب ما بعد الاستقلال، وتهميش دورها التاريخي الذي انتهى بالنسبة لها مع انتقال العرش إلى ملك البلاد الجديد محمد السادس، وهو ما يمكن اعتباره خطأ غير محسوب العواقب، خاصة وأن هذه القوى ورغم ما يمكن أن يسجله المجتمع عليها من تقصير في إنجاز عملية الانتقال إلى الديمقراطية، بعد أن أضاعت على الشعب المغربي فرصا تاريخية كثيرة، إلا أنها كانت تتمتع بالحد الأدنى من الغيرة على الوطن ، كما ان ولائها للعرش والملك ،رغم الصراع الذي طبع علاقتها به في محطات تاريخية معينة، لم يكن موضع الشك والتخمين.

ب/ في شأن العدالة الانتقالية:

نعلم جيدا أن هذا الورش لم يكن مبرمجا من داخل حكومة التناوب التوافقية، لكن نعرف كذلك أن هذا الورش كان قد قطعت فيه وعود كثيرة من أعلى سلطة في الدولة ليشكل تتويجا لمجهودات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وذلك بمشاركة فعالة من طرف الكثير من الفعاليات اليسارية والتقدمية، ومن ضمنها تلك المحسوبة على الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، والتي اعتقدت عن حسن نية بالعهد الجديد وأنها فرصة تاريخية للانتقال إلى الديمقراطية بما تعنيه من قطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومقدمة للتأسيس الفعلي لدولة الحق والقانون.. في حين اعتبرها رجالات الدولة الجدد على كونها مناسبة للقطع مع الإرث الثقيل في مجال الحقوق والحريات الذي ارتبط بالمرحلة السابقة، وتبييضا لصفحة العهد الجديد. وبما أن الأهداف لم تكن نفسها فقد تم إفراغ هذه التجربة من محتواها ابتداء يوم تأسيسها في يناير 2003 حتى الإعلان عن توصياتها النهائية التي بقيت حبيسة الرفوف لما يقارب الخمس سنوات. قبل أن تتحول إلى نصوص جامدة في دستور 2011 بعد انتفاضة 20 فبراير من نفس السنة، وليبدأ معها فصل جديد من فصول الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، سواء مع نشطاء هذه الحركة أو مع نشطاء الحراك الشعبي بالريف وباقي الوطن لاحقا، وهو ما يؤشر على غياب إرادة الإصلاح والتغيير عند النخبة الجديدة ويدفعنا أكثر للتساؤل حول جدوى إحداث هيأة الإنصاف والمصالحة إن لم تكن مقترنة بالانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي كضمانة لعدم التكرار .