الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

حميد اليوسفي: سارق الإبل

حميد اليوسفي: سارق الإبل حميد اليوسفي
تمشى قليلا كما نصحه الطبيب ثم عاد الى البيت..أعد كأس شاي بدون سكر تناول رشفة.. أحس بأن المذاق مُرّ.. رن جرس الهاتف.. فتح الواتساب فأطل عليه وجه رئيس الحكومة السابق.. كثرت هذه الايام الفيديوهات التي يظهر فيها الرجل يقول كلاما ثم ينقضه .. سأل نفسه وهو يضع يده على جنبه لتحاشي ألم خفيف أحس به في بطنه :
ـ هل تعتقد أن ما يقوله رئيس الحكومة السابق حول وضعه المالي صحيح ؟ 
فأجاب دون تردد : 
ـ في المغرب أغلب الناس يكذبون ويطلبون التوبة بعد كل صلاة .. لا أحد يصرح بدخله الحقيقي ...  
ـ ولكن هذا رئيس حكومة سابق وزعيم حزب بمرجعية إسلامية يقول بأنه أقام سياسته وبرنامجه على احترام الاخلاق والقيم الدينية ومنها الصدق وإعلان الحرب على الفساد ، والصراحة مع المواطن المغربي الذي منحه صوته في الانتخابات ..
ـ ولذلك سيكذب أكثر من غيره، ونحن نصدقه، لأننا نحلم بأن يحكم بلدنا رجل سياسة ورع وصادق ومتخلق وعفيف.. وفي كل مرة يقول الناس بأن هذا هو الرجل الذي يبحثون عنه وبعد سنة او ثلاث يخيب حدسهم  ... 
ـ الناس تتبادل في وسائل التواصل الاجتماعي الاخبار التي تكتب في الصحف والمواقع  .. ويحكون بأن الرجل يؤكد بعظمة لسانه بأنه يستثمر في التعليم الخصوصي ويحصل على معاش بقيمة تسعة ملايين سنتيم وربما يخصص له الحزب دخلا آخر من خلال الدعم الحكومي الذي يتلقاه ، ناهيك عن الهدايا القيمة التي قد يتلقاها من بعض أثرياء الحزب أو المتعاطفين معه.. وعلى ذكر التعليم الخصوصي سمعت معلمة تروي لصديقتها بان صاحب المدرسة التي تعمل بها وهي مدرسة متوسطة الحجم، يربح في الشهر اكثر من 10 ملايين سنتيم 
كل هذا ويصف وضعه بأنه أكثر من حمار وأقل من بغل .. وماذا بعد البغل غير الثور و الحصان والجمل؟.. وماذا يكون بقية الناس الذين بالكاد يجدون  ما يأكلون؟ صراصير أم فئران؟
ـ بالأمس كذب وزير من نفس الحزب، بلغ من الكبر عتيا .. أراد أن يجدد شبابه  فتأبط  ذراع مراهقة في أحد شوارع  باريز، تبدو في سن حفيدته .. ربما أغراها بأن يجلب لها حليب العصفور أو وعدها بأن يقطف لها قطعة من شجرة الكراميل .. الناس عندنا اصبحوا يصدقون كل شيء .. وإذا كانت اذكى بقليل سيشتري لها كل ما تشتهيه نفسها من مجوهرات وثياب وعطور ويسكنها في بيت لن تطأ مثله حتى في الأحلام، شريطة ان تلاطفه في الفراش كما تلاطف عاشقا في سنها .. 
وكذبت قبله الارملة صاحبة الحذر من العين التي تزني، لتختلي بعد صلاة الفجر بفقيه متزوج في سيارة مرسيديس في الخلاء وهي التي شنفت اسماع الفتيات بان كل اختلاء زنا .. رصدتها العين التي لا تنام .
وكذبت بعده البرلمانية التي أقامت الدنيا وأقعدتها حول قرصنة حسابها الفايسبوكي واتهمت أهل الحال بأنهم يستهدفونها ويستهدفون الحزب .. فاكتشفت الشرطة أن الفاعل لم يكن سوى زوجها الذي نقلته إلى العاصمة وألحقته بديوان الوزير صديقها، لكن الغيرة والشكوك أكلا قلبه، ففعل ما فعل .. رفعت ضده دعوى طلاق وانسلت خلسة إلى باريس رفقة صديقها العلماني الشاب الانيق الذي يعرف من أين تؤكل أكتاف النساء الميسورات أو القادرات على أن يفتحن له طريق الصفقات .. في غفلة من أصدقائها وصديقاتها رمت الخمار والقلاع التي تقيد جسدها المشتعل وانطلقت في شوارع باريس تنط مثل طفلة في سن المراهقة .. 
اذا كان الله تعالى يغفر مثل هذه الذنوب فان أصحاب العين التي لا تنام عكس ذلك .. لقد منحوها كل ما شاءت من ريع وامتيازات مقابل أن تلعب أمام باب منزلها لكنها أخلت بقواعد اللعب .. فقدموا لحمها على طبق من ذهب لذئاب الاعلام والفايس بوك .. في البداية أنكرت ثم اعترفت وسقطت ..
ـ المال زينة الحياة الدنيا .. أنظر إلى هندامهم وأسنانهم ولحيهم وسحناتهم كيف كانت قبل دخولهم الى جنة المخزن .. ؟؟؟
ـ  لكن كل الناس قد تكذب بهذا الشكل أو ذاك !!!
ـ أغلب الناس يكذبون لكنهم  لا يجنون أرباحا من وراء ذلك ... إنهم مجرد كومبارس في المشهد (الديمقراطي) . 
ـ وقع لبعض النخب مع هؤلاء الوافدين الجدد على عالم السياسة مثلما وقع لذلك الاعرابي الذي كان عنده إبل يرعاها ويسهر عليها. وذات يوم أغار مجموعة من اللصوص على هذه الابل وساقوها أمامهم فانتبه الأعرابي وأخذ باللحاق بهم وهو يشتمهم، ولكنه لم يدرك اللصوص وأخذوا الابل. فلما عاد سأله قومه ماذا فعلت. فقال لهم : أشبعتهم شتما وفازوا بالإبل .
نحن أيضا أشبعنا.