الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

بوبكر بن الدين توفيق: المشاركة السياسية لمغاربة العالم بين الحق الدستوري وأسطورة التنزيل

بوبكر بن الدين توفيق: المشاركة السياسية لمغاربة العالم بين الحق الدستوري وأسطورة التنزيل بوبكر بن الدين توفيق

عادة ما تفشل العلاجات والحلول عندما يفتقد التشخيص الدقة اللازمة. وينطبق هذا على السياسات العمومية، الاستراتيجيات الدبلوماسية أو التواصلية، وعلى المشاريع الاقتصادية والاجتماعية أو على مبادرات المجتمع المدني. ويتجلى هذا كذلك في الملفات العالقة التي تهم الجالية المغربية سيما وأنها تتابع، بألم، تراكم الانتظارات سنة بعد سنة دون حلول ناجعة.  لينضاف إليها هاجس التطرف ثم سلب الأملاك العقارية، فالاختلالات والتلاعبات الإدارية بالإضافة إلى غياب عرض ثقافي ديني وهوياتي في المستوى الحقيقي للمطالب.

هذا لا ينفي عملا عموميا ميدانيا منذ سنوات من خلال ندوات، برامج، دورات تكوينية أو جولات مسرحية ودعم للحقل الديني. إلا أن الواقع يفرض أسئلة الكشف، التفعيل، المرافقة، المتابعة والتقييم. فلا يمكن استخلاص الدروس دون إعادة النظر أو التصحيح الصائب والضروري ما دمنا نفتقد لتقييم دقيق ومستقل لبرامج كلفت كثيرا كالتأهيل الجمعوي، ومخطط MDM Invest، وتفعيل توصيات العديد من الندوات واللقاءات، والجامعة الصيفية، يوم المهاجر، المرافقة القانونية، وحماية الأملاك... وما تجاوز الصعوبات الحالية إلا رهين بقيام المؤسسات المعنية بشؤون مغاربة العالم، وكذا بتقويم ذكي لتصحيح المنهجية.

أسفرت إشكالية المشاركة السياسية عن تبلور سوء تفاهم دام طويلا، وهو الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة وصار يتطلب استدعاء تفحص جديد لهذا الملف المركزي. فلماذا لم يتم تنزيل الدستور في هذا الباب؟ ما مسؤولية الأحزاب في هذا التعطيل؟ لماذا تم تقزيم المجتمع المدني الناشط في هذا الحقل؟ أسئلة محورية دون شك لكننا سنحاول في مقال لاحق الوقوف عند مدى صحة أو بطلان بعض الحجج التي تتردد لتعليل استحالة تفعيل المشاركة السياسية للجالية المغربية.

الواضح أن المشاركة السياسية حق مشروع صوت لصالح المغاربة بنسبة لا تقبل الجدل في استفتاء 2011. وكان جلالة الملك محمد السادس، أعلى سلطة في البلاد، قد طلب من المغاربة، من كل المغاربة، في الداخل و الخارج، التصويت بنعم على الدستور. فكان كذلك بنسبة عالية جدا. وإعادة النظر في هذا الحق المشروع والثابت سيتطلب استشارة جديدة واستفتاء جديدا. ولا أعتقد أن المغاربة سيحرمون جزأ كبيرا وفاعلا منهم من حق المشاركة التمثيلية و التشاركية.

قيل أولا أن نسبة مشاركة مغاربة العالم كانت ضعيفة جدا مما يعيق تنزيل الدستور. ماذا عن نسبة المشاركة داخل المغرب على العموم؟ ولنتذكر نتائج دابا 2007 رغم الحملة التواصلية المكلفة جدا. لقد كانت نسبة التصويت ضعيفة. هذا إذا ما علمنا أن التصويت في المغرب اختياري وليس إجباريا، كما هو الأمر في بلجيكا مثلا. وهل يقصى مغاربة العالم لأن سياسيينا أو أحزابنا فشلت في انتاج خطابات وبرامج تعبئ المواطنين من خلال المشاريع، وعبر استراتيجيات واضحة ودقيقة؟ وهذا ما يعني أن حجة نسبة المشاركة الضعيفة حجة غير ثابتة.

زد على هذا حديث البعض عن دول مثل هولندا التي قد ترفض تنظيم انتخابات على أراضيها. لكن أي اعتراض على تنظيم انتخابات هو إخلال بالمواثيق الدولية لأن التصويت يتم عادة في القنصليات. واستفتاء 2011 مر في أجواء عادية في كل قنصليات المملكة عبر العالم. والجالية تتابع مشاركة الجاليات البرتغالية، المكسيكية، التركية، التونسية، الجزائرية، الإيطالية، المصرية أو الفرنسية في بقاع العالم دون تحفظ شديد.

هناك كذلك حجة ازدواجية الجنسية التي قد لا تتناسب، حسب البعض فضلا عن تحمل بعض حامليها لمسؤوليات في البلد الأصل. لكن يمكن التذكير بنموذج إيمانويل ڤالس، الوزير الأول الفرنسي السابق من أصل إسباني، الذي تقدم لمنصب عمدة برشلونة الإسبانية. وهنا يجب أن أشير إلى أنه لا تتوفر لدينا اليوم آليات دقيقة وموضوعية تؤكد أو تنفى أن هناك منتخبين أو مسؤولين في مناصب هامة في المغرب يحملون أو لا يحملون جنسيات أجنبية. وبالتالي الخوض في هذا الموضوع غير صائب، وغير صحيح، وعليه، فلا يمكن أن تحرم الجالية من حق دستوري  صوت لصالحه المغاربة بأغلبية ساحقة.

من جهة أخرى، برزت منذ سنوات حجة الصعوبات اللوجستية لتنظيم الاستحقاقات خارج الوطن. يكفي أن نذكر بأن استفتاء 2011 تم في ظروف عادية على العموم في كل بقاع العالم. ثم إن السيادة تمارس والديمقراطية تزاول وهي تتطلب ثمنا معينا وتضحيات تبذلها غالبية دول العالم. أما بخصوص إشكالية تصويت مغاربة إسرائيل، فهو حق مشروع لأنهم مغاربة ويمكنهم التعبير عن مواطنتهم وانتمائهم ككل المغاربة الآخرين. وبما أنه ليست للمغرب علاقات دبلوماسية مع دولة إقامتهم، الأرجح هو تنظيم الاستحقاقات في دول الجوار التي تجمعنا بها علاقات رسمية كالأردن، ومصر أو لبنان.

تردد في فترة بعض التخوف من مخلفات فوز محتمل للعدل والإحسان بأوروبا على صورة المغرب. والمراقب الدقيق للوضع في المغرب ولأمور مغاربة العالم يعلم أن التوجه المذكور هو، اليوم، وخارج اللعبة السياسية، يكتفي بالمراقبة فقط. وأعتقد أنه علينا أن نفصل بين الحق المشروع دستوريا واللعبة الانتخابية والسياسية والحزبية. ومحاربة التطرف لا تكون بالحرمان من الحقوق بل بالبرامج التنموية، وبالأفكار والسياسات العمومية.

إن مغرب اليوم في حاجة إلى كل خبرات مغاربة العالم، وفي حاجة إلى استثمار الجالية المغربية، وفي حاجة إلى انخراطها في الدفاع عن الأولويات والوحدة الترابية خارج الوطن. والمتابع للشأن الدولي يعرف كيف احتضنت الجاليات الصينية، المكسيكية، الإيطالية التي تفوق 60 مليون شخص خارج البلد. ثم هناك بولونيا وتركيا ورومانيا بالإضافة إلى نموذج البرتغال. أمام التحديات الراهنة، لا مستقبل للمغرب دون جاليته في أوروبا وإفريقيا. لذلك صار من الحتمي تنزيل الدستور لما فيه من المصلحة والمصالحة، وإعادة للثقة وكذا للتأكيد على أن المغرب هو مغرب الجميع. إن تحديات الوحدة، وتحديات إفريقيا، وتحديات التنمية والاستقرار تستدعي انسياق الجميع دون إقصاء في انتظار إعادة هيكلة وتأهيل المجتمع المدني وبروز نخبة جديدة.

بوبكر بن الدين توفيق، مختص في التواصل والهجرة