الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

الحبيب أيت صالح : عندما تسعى التربية إلى تدمير الإنسان

الحبيب أيت صالح : عندما تسعى التربية إلى تدمير الإنسان الحبيب أيت صالح
من المعروف في حقل التربية أن الهدف من هذه الأخيرة هو بناء الإنسان قبل كل شيء، هدف هذا البناء هو خلق إنسان يدرك ما له وما عليه، في إطار عقلاني منظم مبني على الاحترام وتقبل الآخر المختلف والتعامل معه انطلاقا من كونه إنسان. ولكن عندما تسعى هذه التربية إلى عكس هدفها الأساسي كما يحصل مع المنظومة التربوية المغربية، فحينئذ يمكن أن نرثى لحال التربية، وأن نتأسف للشخص الذي سيكون نتاج هذا النوع من التربية. 
بعد سلسلة من المخططات الفاشلة والمرتبطة أساسا بالمحتوى والمنهج والتأطير، اتجه المسؤولون على قطاع التربية في المغرب إلى مقاربة اللغة، علها تنقد ماء وجه منظومة غارقة في الفشل، وبينما كان متوقعا أن يتم اعتماد لغة عالمية قوية في ظل ما تسعى إليه أقوى البلدان، اتجه هؤلاء  المسؤولون إلى النظر في اللغة الأم للمغاربة، باعتبارها واضحة وبسيطة ومفهومة، دون أن ينظروا في أن اللغة يجب أن تكون قائمة بذاتها قبل أن يتم اعتمادها في التدريس، وهذه المسألة غائبة في الدارجة المغربية باعتبارها ليست أكثر من مزيج لغوي يحوي العربية والأمازيغية والفرنسية، وبما أن هذه اللغة العامية لن ترقى بالتلاميذ لغويا بقدر ما ستؤثر سلبا عليهم على المدى البعيد، فإن هذا المخطط اللغوي يمكن وصفه بداية بأنه فاشل.
لقد باتت المنظومة التعليمية المغربية قضية رأي عام، وذلك بعد المخطط الذي تم اقتراحه، والمتعلق بإدراج الدارجة المغربية ضمن المقررات الدراسية، وقد عبرت معظم الفعاليات عن رفضها لهذا المخطط، ووصفته بأنه فاشل ولا يليق بالتعليم، كما أنه ليس حلا مناسبا في ظل الأزمة التي يتخبط فيها التعليم المغربي منذ سنوات، ويذهب هذا المخطط إلى التدريس باللغة العامية المغربية بالنسبة للمستويات الأولى، وأن تكون لها مكانتها في المدرسة، باعتبار أن أغلب المغاربة يتحدثون بها، كما أنها تشكل اللغة الأم للعديد منهم، ذلك أنه في المغرب يتحدث الناس باللغة الأمازيغية والدارجة، أما العربية الفصحى فيتم استخدامها في المدارس والجامعات، ولا وجود لها في الحديث اليومي للأسر المغربية.
ربما اللجوء إلى الحل اللغوي في ظل الأزمة التي تعرفها المنظومة التعليمية المغربية ليس حلا مناسبا، لأنه قبل هذا الحل كان هناك إشكال بخصوص إقرار الأمازيغية في التعليم، ورغم أنها لقيت تعارضا في صفوف المعربين، إلا أنها نجحت في فرض نفسها، رغم غياب قوانين تنظيمية لها، ورغم الحرب التي تشنها جهات معينة عليها، وذلك بفضل المجهودات التي يبذلها المدافعون عنها، وبفضل الترسيم الذي أقره الدستور المغربي لسنة 2011، وفي هذا السياق انبلجت الدارجة العامية إلى الواجهة لكي تدخل بدورها غمار المنظومة التربوية المغربية، علها تكون حلا مناسبا لإعادة الحياة إلى المنظومة، لكن الواقع أنها لن تكون كذلك، بل إنها ستزيد الطين بلة.
منذ مدة والمنظومة التعليمية المغربية تتخبط في أزمات، ولمواجهة هذه الأزمات، تم اقتراح مجموعة من المخططات، هذه الأخيرة باءت بالفشل بسبب سوء التخطيط، ومن هنا يتضح أن الخلل يشمل كل المحددات التي تشكل هذه المنظومة، من مسؤولين وأطر تربوية ومقررات ومناهج، كما يتحمل المجتمع بدوره قسطا من الخلل الذي تعرفه هذه المنظومة، وهكذا لابد من القيام بدراسة شاملة للوضع لمعرفة مكامن الخلل، ومن ثم البحث عن حلول ناجعة يمكن أن تصلح شيئا من الأزمة، ذلك أن كل المخططات التي يتم تجريبها لم تعرف إلى إصلاح التعليم سبيلا، بل إنها لم تزده سوى بشاعة، لأن الإشكال مرتبط بالأسس التي تشكلت منها هذه المنظومة.
يأتي استخدام الدارجة في المقررات الدراسية للمستويات الأولى،  من أجل تسهيل عملية التدريس بالنسبة للأطفال، باعتبار أنهم يجدون صعوبة في التعلم بالعربية الفصحى، وفي المقابل سيجدون سهولة بالغة في تلقي الدروس بلغتهم الأم، لكن ذلك سيطرح إشكالات على المدى البعيد، حيث أن اللغة العربية الفصحى تبقى لغة أكاديمية لها مكانتها، ومن ثم لن يجد إليها هؤلاء المتعلمون سبيلا، لأن الأساس الذي ستتشكل فيه ملكاتهم اللغوية لا يشمل هذه الفصحى، لأنه سيرتبط بالدارجة، هذه الأخيرة رغم طغيانها على الحياة اليومية للمغاربة في كافة الميادين إلا أنها لن تكون في مقام الفصحى. دون أن ننسى أن العديد من التلاميذ والطلبة المغاربة لا يجدون إلى اللغة العربية الفصحى سبيلا، رغم أن هذه اللغة تشكل أساس تكوينهم الأولي والابتدائي، كما أن هناك طلبة يدرسون هذه اللغة في الجامعة ومع الأسف يرتكبون من الأخطاء ما يكفي لنتأكد من عمق الأزمة.
لو أردنا اختزال عنوان عريض للمنظومة التربوية المغربية، فهذا العنوان لن يكون أكثر من الفشل المستمر، هذا الفشل يؤدي إلى فشل أعمق عندما يكون التلميذ هو الضحية، باعتبار أن العملية التعليمية التعلمية كلها تتمحور حول هذا الطفل، وإذا كان هذا الطفل ستؤثر عليه هذه المنظومة بشكل سلبي بناء على المخططات الفاشلة، فحتما هذا الطفل لن تتطور ملكاته اللغوية ولا النقدية، ومن ثم سيكون الهدف من هذه المنظومة هو إنشاء أجيال غير واعية، لا تملك من المؤهلات ما يكفي لكي تعتمد على نفسها وتتحمل مسؤوليتها كاملة، بل إنها -بناء على هذا الطرح- ستظل خاضعة لما ترسخه هذه المنظومة من جهل.
لعل الإشكال المرتبط بالمنظومة التربوية المغربية لم يكن لغويا أبدا، ذلك أن اللغة كيفما كانت يمكن أن تفي بالغرض، لكن الإشكال هو إشكال مناهج فاشلة ومحتويات لا تغني ولا تسمن من جهل، وفي ظل هذا الحل اللغوي الذي لم ولن يكون حلا، لن تبرح هذه المنظومة مكانها، بل إن الفشل سيتعمق، ولن يصير بالإمكان إيجاد حلول مناسبة له، كلما تعمقت هذه الأزمة، وفي غياب التركيز على مناهج عقلانية منفتحة ومحتويات غنية ذات أبعاد إنسانية، في ظل هذا الغياب ستتعمق الأزمة، وسيصير الطفل/التلميذ ضحية، وفي انتظار بناء الإنسان، والذي تلعب فيه التربية الأساس، سيظل الإنسان المغربي معرضا لكل أنواع العقد، ولن يكون بإمكانه أن يتنفس هواء الإنسانية أبدا.
                                    - الحبيب أيت صالح ،حاصل على دبلوم في الصحافة المكتوبة