يعود تجدد ظهور زوارق الموت "الحريك" كما يحب أن يسميها البعض إلى كثلة الإنزلاقات السياسية التي تنهجها الدولة في تدبير الملفات الإجتماعية، ففكرة الموت في أعماق البحر الأبيض المتوسط أصبحت أخف ألما من اليأس الذي يعيشه الشباب في "وطن الواجبات فقط". فقدان الأمل والشعور بإنسداد الأفق هو "الحداد" الذي تشعر به وأنت تتقاسم معهم فكرة "الوطن والوطنية"، خصوصا في ظل التراجعات الإقتصادية و الإجتماعية والصحية والحقوقية التي تؤكدها تقارير الدولة نفسها.
في الآونة الأخيرة إستطاع الشاب المغربي أن يتصالح مع ذاته لكي يواجه الإقصاء والتهميش الذي تنهجه الدولة ضده، فلجئ للإحتجاج بشكل سلمي مطالبا بتحقيق العدالة الإجتماعية ومحاربة الفساد. وهي المحاولات نفسها التي ساهمت في جس نبض الدولة وإيقاظها من سبات الإنكار والتجاهل للمطالب الإجتماعية، مما جعلها تستعجل في إعداد سيناريوهات فارغة من البعد الديمقراطي لمواجهة الوعي الثقافي والسياسي الذي بات يعبر عنه الشباب المغربي عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
لم يكن أحد يتصور بأن "السخط الإجتماعي" للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية سيكلف الدولة فتورة ثقيلة نتيجة الحسابات الخاطئة التي ستحملها في الاتجاه المعاكس، نحو استمرار ما أصبح يعرف اليوم "بالمطالب الإجتماعية"، التي سنكتشف معها ممارسات سياسية جديدة كالمقاطعة.
رغم أن الكثير لن يتفق معي في هذا الطرح إلا أنني أعتبر أن تجدد ظاهرة "الحريك" هي ممارسة سياسية في منتهى العمق والتأثير، خصوصا وأنه يضع الدولة بين المطرقة والسنداد في سياسياتها الخارجية مع الإتحاد الأوروبي، الذي عبر عن فشل الدولة المغربية في إيجاد حلول للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي تعتبر سبباً في لجوء الشباب المغربي الى "الهجرة السرية" رغم السيولات المالية المهمة.
إن مشكلة الدولة هي أنها تتنكر للتاريخ على نفس الجغرافيا، وترفض أن تكون جريئة في مراجعة دورها السياسي والإجتماعي، وإحياء ميثاق إجتماعي جديد مع الشعب الذي يتطلع إلى نمط عيش مبني على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية من أجل بناء دولة الكرامة، فالشعور بالإذلال والإقصاء الإجتماعي يقتل كل شيء ويجعل الفرد يغادر وطنيته قبل أن يغادر وطنه.