بكل رباطة جأش وعزيمة التفاخر وكل ما يأتي من قبيل الإحساس وكأنه صنع التاريخ، هلل وروج مجلس مدينة الدار البيضاء، قبل أيام من عيد الأضحى، لفتوحاته في اتقاء هذه الحاضرة لتبعات الأوساخ والنفايات المألوفة في مثل هذا الموعد السنوي.
وعليه، كثر القيل والقال ودعايات منتخبينا الأبطال. فأعلن توفير شاحنات إضافية هنا، وتوزيع الأكياس على الساكنة هناك، بل حتى فرقا للتوعية جندت للتجول بين الأحياء، محذرة، ملفتة، وناصحة المواطنين بالواجب فعله وما يلزم اجتنابه.
والواقع، من يشهد هذه الحملات يخيل له وكأن المدينة التي استفاق لها المجلس بالعديد من الاجتماعات، لا تعاني من أزبالها سوى مع مجيء الخرفان، ولا فضلات إلا لهذه الأخيرة كعنوان مأساتها. بيد أن الحقيقة لا يخلو منها يوم من أيام السنة، إلى أن صار الموضوع جزء من حياتها اليومية، وما يحدث أيام العيد سوى وجه من أوجهها العابرة.
أما الدليل غير الخافي، فهو ما تنبئ به أية إطلالة على شوارع البيضاء في أي يوم آخر، حيث تراكم المخلفات والروائح المفقدة للتركيز، مع سبات عميق لأهل الدعايات المجانية. وعلى حد تصور مجلس المدينة الذي يسكنه هاجس الأوساخ خلال العيد فحسب، فالأحرى أن يرفع الموضوع لمنظمة الصحة العالمية إذا ما قورن بباقي أيام العام نتيجة التفاقم الذي يحصل.
لهذا، يظل من باب استغفال البيضاويين، ضرب حقهم في النظافة ما قبل وبعد العيد الكبير من أكبر الكبائر، وتحقير مخجل لمدى قدرتهم على تمييز المبادرات البريئة وتلك المنطوية على غايات مدسوسة، يلتقي فيها السياسي بالإجتماعي والإقتصادي تحت شعار المصلحة الخاصة. أما العامة ففقط واجهة مقنعة لتمرير أبخس الرسائل.
والخلاصة، إذا كان مجلس مدينة الدار البيضاء يربط تخوفه من تلطيخها بعيد الأضحى، فعليه الإدراك التام بأن أيام القاطنين والزوار كلها أعياد ولله الحمد، ولا ينقصهم سوى التلقي اليومي لما يجسد استحقاقهم التهنئة، لكن بحسن نية وعن سبق مسؤولية، لا الركوب على "مبروك العواشر" لتزييف حالة كارثية وهي في النزع الأخير تحتضر.