الحوار بين اليساريين والإسلاميين، حاجة حضارية لصياغة الحد الأدنى من المشترك السياسي والاجتماعي.
وتحت إغراء هذا المطلب الملح، على الأقل سياسيا لتأسيس الدولة الديموقراطية، الحاضنة للجميع، يجري ارتداء أقنعة خادعة حول 'التوافق الجميل' بين الأطراف المعنية.
نعم الحوار هو الآلية الديموقراطية الممكنة لبناء المشترك، بيد أن هذا الحوار المأمول يستوجب، بالضرورة، عدم احتراف خطاب المغازلة، وامتلاك شجاعة التداول الصريح في اشتراطات كل طرف على الطرف الأخر!
في هذا السياق، يمكن التمييز في حوار العدل والاحسان واليسار بين الموقفين التاليين:
1- موقف المرحوم ذ. عبد السلام ياسين، باعتبار مؤلفاته هي الأطر المرجعية الثابتة للجماعة. والأرضية التي يطرحها ذ. ياسين للحوار مع 'ذراري المسلمين'، تشترط، وجوبا، 'أن نسمع - كعدل وإحسان- من المثقفين من ذراري المسلمين كلمة صريحة واضحة معلنة أنهم مسلمون. وإذا فلا أرضية تجمعنا ولا بساط يسعنا إلا الإسلام' (حوار مع الفضلاء، ص.27). وهو الموقف الذي جدد التعبير عنه، مؤخرا، ذ. العبادي، بقوله نريد دولة الإسلام، كاستعاضة عن دولة الخلافة الاسلامية، التي أفصحت داعش عن وجهها الدموي (دولة الخلافة الاسلامية!).
2- موقف أطر الجماعة: يبدو أن اطر الجماعة، التي تعيش الواقع الفعلي، تجتهد، وهذا هو المطلوب، لإعادة صياغة مواقف الجماعة، لرفع الحرج عن الموقف السياسي الكلياني، وللتكيف مع استحقاقات ما تسميه الجماعة بالتدافع السياسي. وفي هذا الصدد طفا على السطح بعض المواقف حول الدولة 'المدنية'، لكن سرعان ما خفتت - كبتت مثل هذه الأصوات "المدنية" داخل الجماعة!
واعتقد أن اليسار مطالب بالتفاعل المسؤول مع مبادرات الحوار، لتشجيع أجيال الجماعة على مراجعة مواقفها، في تجاه بلورة الحد الأدنى بين الجماعة وباقي التيارات اليسارية.
وإذا كان اليسار، يطرح كأرضية للحوار مع الجماعة، النقاش العمومي للديموقراطية كقيم وآليات ومنظومة حقوق الإنسان الكونية، فإن اشتراطات الجماعة، لتأطير الحوار المفترض، هو ما عبر عنه ذ. عبد السلام ياسين في مؤلفاته المرجعية للجماعة.
وفي هذا السياق، نقتطف بعض الشروط، التي كبل بها الشيخ ياسين خصومه من السياسيين، لمباشرة الحوار مع الجماعة. وأقترح الإنصات للشيخ ياسين وهو يتحدث في كتابه " حوار مع الفضلاء الديموقراطيين":
أ-ميثاق الجماعة أو الانتخار السياسي:
"لا يكفي الإعلان عن موقفكم... حتى تخبروا الأمة أي إسلام هو إسلامكم. ميثاق يصاغ ويناقش، ويدخل تحت لواء الإسلام الجامع من شاء، وينتحر... انتحارا سياسيا من شاء"(ص.8)
ب- جند الله في مواجهة فلول الثورية التقدمية.
"وعلى محك التجربة...سيلتقي جند الله، ويصطدم جند الله، ويواجه جند الله.... الفلول المبثوتة على أرض المسلمين من متقاعدي الثورية التقدمية وأرامل الإيديولوجية... وفي بعض بلاد المسلمين لا يزال معهم من الوقاحة، بل من بلادة الحس وتخلف الفكر"، ص. 14 -15
ج- شرط الحوار ( محاكم التفتيش!( :
"نحن نريد أن نسمع من المثقفين من ذراري المسلمين كلمة صريحة واضحة معلنة أنهم مسلمون. وإذا فلا أرضية تجمعنا ولا بساط يسعنا..."، ص. 27
بعد الاستماع للاشتراطات التي رفعها المرحوم عبد السلام ياسين، كأرضية للحوار، فإن السؤال الجدي هو: هل يمكن للجماعة أن تباشر حوارا جديا ومثمرا مع خصومها السياسيين بهذه الاشتراطات المنتصبة؟
من المفيد أن تتفاعل أراء اليسار والحركة الإسلامية، لإنضاج السياقات والموقف حول القضايا الخلافية ( علاقة الدين بالفرد أو الدولة- الديمقراطية كقيم أو آليات- الدولة المدنية: لا عسكرية، لا دينية- كونية حقوق الإنسان...)، لكن لن يستقيم ذلك إلى أن تؤمن هذه التيارات (اليسارية والاسلامية) بنسبية أفكارها ومرجعيتها!
في انتظار أن تطرح الجماعة مواقفها المحينة، كتمرين مؤلم على المستوى الفكري، فستبقى المدخلات الآنية للحوار مجرد مغازلة، لرسم صور خادعة عن المواقف الحقيقية للطرفين، غايتها المضمرة صياغة لوحة إشهارية للاستهلاك الإعلامي !