الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد القادر رجاء : قراءات ممكنة في سياسات الاحتفاء بالتميز في حقل التربية و التعليم

عبد القادر رجاء : قراءات ممكنة في سياسات الاحتفاء بالتميز في حقل التربية و التعليم عبد القادر رجاء

أمسى من المعتاد الحديث عن حفلات التميز التي تنظمها المديريات الإقليمية  لفائدة المتوفقين و المتوفوقات من التلاميذ و التلميذات عند مختلف المتتبعين من داخل أسرة التربية و التعليم، و كذا عند أهل الإعلام و الفاعلين بجمعيات المجتمع المدني عامة، و تلك التي تشتغل بتواز مع المؤسسات التربوية باعتبارها على وجه التخصيص جمعيات للآباء و الأولياء. و لعل هذا الموضوع يستحق وقفة تأمل و تحليل قد تمكن من توسيع بعض الأفق المتعلقة ببعض من حيثياته و حدود فهمه و التعاطي معه، اعتبارا لحجم النقاشات التي تثار في أحايين متفرقة حول ماهيته و أدواره و شكلياته و ما يحتله من مكان في واجهات النقاشات العمومية التربوية منها خاصة.

لا يختلف اثنان في كون العملية التقويمية، باعتبارها امتدادا من امتدادات السيرورة التعليمية- التعلمية، ينظر لها على أساس كونها محطة ذات أهمية بالغة بالنظر لأن إفرزاتها محددة فيما يتعلق بالانتقال بين الأسلاك و بالعتبات المحددة سلفا لذلك. كما أن  حفز المتعلمين و تشجيعهم عطاءاتهم يبقى ضرورة من الضرورات و الأمور ذات الملحاحية و الراهنية التي من شأنها تثمين كفاءات التلاميذ و مجهوداتهم، علاوة على سعيها لإعطاء صور متنورة عن المؤسسات التربوية التي يدرسون بها و عن أطقمها التربوية و الإدارية و أعوانها و مختلف الفرقاء ذوي البصمة و الإسهام في اشتغال هذه المؤسسات و إشعاعها.

حفلات التميز التي نعرض لبعض القراءات الممكنة و المتعلقة بها تنظم غالبا مباشرة بعد الإعلان عن نتائج المستويات الإشهادية، و تشتغل على عملية تنظيمها المديريات الإقليمية التي تختار فضاءات معينة لذلك، و تستدعي مختلف الحساسيات الأمنية و الإعلامية و الجمعوية و رجال السلطة و غيرهم من توجه لهم الدعوة في سياقات حفلات التميز موضوع هذه الورقة. غير أن الملاحظ فيما يتعلق بعملية تنزيل هذه المواعيد التي تسعى أساسا  إلى الاحتفاء بالتميز و تكريسه و تثمين الرأسمال التربوي و المعرفي و الفكري لدى المتعلمين، هو كونها تنظم بمنطق عمودي يشمل المديرية الإقليمية و المعنيين بأمر التميز  من المتفوقين و المتفوقات، و يغفل فاعلين آخرين أساسيين يتم تغييبهم بشكل أو آخر عن المواعيد التي ذكرناها آنفا.

و الوضعية هاته؛ فحفلات التميز شائعة التنظيم من لدن المديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالمغرب لا توضع على لائحة المدعوين إليها أساتذة و أستاذات  أو شركاء اجتماعيين و ترابيين، و لا أصحاب تجارب متميزة أو أصحاب أفكار مثمرة و عطاءات ذات مردودية مشهود بها و لها، و ذات امتدادات و تأثيرات على القطاع الذي يحتاج كثيرا من التجريب و غير قليل من التجديد.

حفلات التميز التي تنظمها المديريات الإقليمية عنوان جديد للتصنيف القديم  و رمز حديث لرموز و تقطيعات كلاسيكية، لا تعيد إنتاج أنماط  بآفاق مدروسة و ذات جدوى و تأثير على أصعدة متعددة و بخلفيات و أبعاد محددة سلفا و معروفة الحدود و التوجهات.

أن تنظم المديريات الإقليمية حفلات للتميز لفائدة متعلمينا المتميزين بهذا الوطن لا يمكن إلا أن نرى فيها سنة محمودة الأثر و الوقع، و عادة يجب التصفيق لها و تثمينها و تصحيح اعوجاجها لتجويدها  و فتح مجالها على أفكار جادة و مواطنة. لكن أن تنفرد المديريات بالتميز و تنظمه على طريقتها في مبعد عن الفاعلين الأساسيين للمنظومة هو ضرب من ضروب النكران و عدم الاعتراف بجميل و صنيع أسرة التعليم أولا و شركاء المؤسسات التربوية و مختلف الفرقاء ثانيا.

أن تنفرد المديريات بحفلات التميز  دون أن يكون للمؤسسات التربوية و أساتذتها  و شركاؤها مكان فيه، هو استفراد بعطاءات المتعلمين و توظيف لها على مستوى عمودي يستبعد عددا مهما من الحلقات المشكلة لسلسلة اسمها منظومة التربية و التكوين.

مفاهيم التميز يجب أن  تصنع بداية على المستوى المحلي و  من داخل مؤسساتنا التربوية و بمقاربة أفقية داخلية و متداخلة و قادرة على إضافة أنفاس جديدة للحياة المدرسية للمؤسسات التربوية؛ و هذا يجب أن يجد ذاته في  التوصيات التي من المفروض على المديريات و الأكاديميات، و حتى المصالح المركزية للوزارة الوصية أن ترفعها لإدارات المؤسسات التربوية لتنزيلها في هذا الباب في إطار من تكريس منطق المؤسسات التربوية المستقلة و العادلة و المنتجة لقيم التشجيع و بمواطنة ممزوجة بروح من التأثير و التأثر.

مفاهيم التميز التي يجب أن تشاع و يتأثر بها عموم المتعلمين يجب أن تجد صداها كذلك بالمؤسسات التربوية  التي يدرسون بها و لدى مختلف الفرقاء، على أساس تثمين عمل الفاعلين الأساسيين في المنظومة من أساتذة و أستاذات أخذا بعين الاعتبار ضرورة الاستثمار في هذه المحطات لتوسيع حقل التميز و الارتقاء و دفع المتعلمين للتفاعل معه، و الاستفادة من إفرازاته لبناء نهج طموح لمحاصرة ما يمكن محاصرته من أشكال التعثر و الهدر.

و لعل من بين ما دفعنا إلى الكتابة في موضوع سياسات تشجيع  التميز هو ما تم تضمينه من أفكار في  أحد آخر منشورات  المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي، و الذي جاء تحت مسمى له من  المعنى  ما يسمح له بأن يعتبر أرضية للتفكير في واقع الفوارق الاجتماعية في التعليم؛ بحيث تمت عنونته ب " مدرسة العدالة الاجتماعية :  مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي"؛ فالمنشور يعتبر أن المدرسة تعد وسيلة لإعادة إنتاج الفوارق التي تتوسع عبر المنظومة نفسها  و بالتالي وجب توجيه اشتغال المدرسة المغربية نحو تحقيق عدالة جماعية تستوعب في منظورنا التميز بكل أصنافه و تلاوينه أيضا.

و لأنه و من زاوية و نظرة التميز يتم إغفال مجموعة من المعطيات و الإشارات المتعلقة أساسا بتميز ما يستوعبه فضاء الحياة المدرسية عامة من نجاحات و تمايزات، سواء على المستوى المعرفي و الإبداعي و تلك المستويات ذات الصلة بالكفايات المستعرضة و الممتدة  و الذكاءات المتعددة للمتعلمين؛ ففي نظرنا و رؤيتنا الخاصة لهذه الجوانب، من الممكن جدا النظر إلى التميز من زوايا أخرى و بنتائج و بتدبير مغاير لا يعيد إنتاج التصنيف من أجل التصنيف و لا المقبرة الثابتة التي تحدث عنها الباحث  الفرنسي في الديداكتيك  اندريه أنتيبي في علاقة مدارسته لتقييم عطاءات و نتائج المتعلمين، لدرجة أن تصنيف المتعلمين أصبح هاجسا أولا و استعدادا نفسيا ملازما في تعاطينا مع مختلف فئات المتعلمين.

و إذا كان هرم عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو للاحتياجات الإنسانية يجعل على رأس هذه الأخيرة الحاجة لتحقيق الذات، فإن الحاجة إلى التقدير باعتبارها ثاني حاجة ضمن حاجات ماسلو الخمس تستوجب جعلها  تتسع لتشمل كل إشكال التميز التي لا تخضع بالأساس لمنطق النقطة و الفاصلة و ما يليهما؛ منطق النقطة و فقط الذي من أجله أصبحت المدرسة المغربية تعرف من حين لآخر حالات من العنف و التخريب و الاعتداء على الأشخاص و الفضاءات، لأن غير قليل من متعلمينا يسعون و بأي طريقة كانت تحصيل حاصل المعدل و النقطة و لو اقتضى الحال الدوس على الفاعل الأساسي بمنظومة التربية و التعليم كرمز جماعي و اعتباري، و على المدارسة كفضاء رمزي للاستقرار النفسي و التربوي و أرضية للارتقاء بالفرد و المجتمع على حد سواء.   

 و بالعودة لموضوع التميز، فهذا الأخير لا يجب أن يشمل المتميزين و المتميزات على المستوى المعرفي أولا و أخيرا، لوائح المتوفقين يجب أن تشمل متميزين في مجالات أخرى كالإبداع و التجريب و الابتكار للمساهمة في إثراء تجارب القطاع و تشجيع مساهمات المتعلمين.

إن  تقديم رؤية تحليلية نقدية في بعض من جوانبها لسؤال التميز يقودنا أيضا لملامسة جانب آخر لصيق بالأول و المتعلق بالتصنيفات التي تنشرها المديريات الإقليمية على هامش فرز و تفريغ نتائج الامتحانات الإشهادية. و سننطلق هنا من رؤية نقدية لنتائج هذا التصنيف على مستوى المديرية الإقليمية لأسفي كنموذج؛ ذلك أن هذا التصنيف الذي عايناه و تتبعناه لسنتين متواليتين يمكن من القول بأن هناك تغيرات جد مهمة على مستوى حركية تموقع مؤسسات تربوية بمستوى  الثانوي الإعدادي مثلا؛ إذ أن هناك مؤسسات صنفت خلال الموسم الدراسي 2106-2017 في ذيل التصنيف لتجد نفسها خلال الموسم الدراسي 2017-2018 في قمته، و منها من صنفت في المقدمة خلال موسم 2016-2017 لتتراجع عن ريادتها في 2017- 2018،  هذا بالإضافة إلى تراجع و تقدم مؤسسات مرتبة في وسط خط حركية التموقع.

فلا يمكن في نظرنا  إغفال هذا المعطى في تعاطينا مع التصنيفات التي تصدرها و تنشرها المديرية عبر بوابتها الالكترونية؛ فالمؤسسة التي تستطيع في سنة واحدة تسلق المراتب من أدناها إلى أعلاها يجب تمكينها عبر مواعد موسعة من فرص لتقديم برنامج  عملها و خططها الاستراتيجية التي مكنتها من الإقلاع فيما يتعلق بنتائج و عطاءات متعلميها. و التجربة هذه تستحق أن يستفاد منها و تذاع عدتها التخطيطية و الوثائقية و المعلوماتية بما فيها تقييمها المرحلي على صعيد التنزيل و النتائج، و تصبح متاحة للفاعلين التربويين عامة لأنها ملك جماعي و تفرد مؤسساتي و تربوي. أما أن كان تسلق هذه المراتب يتم بمنطق آخر، فوجب الوقوف عليه و تخصيص قراءات و دراسات و لقاءات ذات معنى في سياقات سياسات النجاعة و الفعالية قد تفي بإعطاء صور واضحة عن هذا الجانب في قطاع بات يحتاج إلى من يطرح من داخله الأسئلة الملحة و الواقعية و يكشف عن حقيقة علله و جوهر علاجها.

إن وزارة التربية و التعليم و هي تسعى منذ عهود إلى  إصلاح القطاع بمنطق " إعلان النوايا" و كفى، إعلان توازيه استراتيجيات و تنظير من أطراف واحدة يزيد من تضعيف أفق الإصلاح في ظل غياب اعتقاد جماعي و صياغة مشتركة وتنزيل بان،  يستوجب عليها الدعوة إلى تكريس مقاربات حكيمة و جادة و ذات معان تربوية و اجتماعية في  تنظيم و تنزيل برامج تثمين تميز المتوفقين و المتفوقات و جعل  المؤسسات التربوية في صلب التفكير و الاقتراح للموضوع في نسق من أنساق اللامركزية، و تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية من داخل مجالس المؤسسات و إعطاء القيمة المستحقة للمدرسين و المدرسات الذين يعكفون على الاجتهاد و العطاء طيلة السنة من أجل أن يحصل المتمدرسون على نتائج مرضية، قبل أن يصادروا من حق الملكية و العطاء التربويين و من تمثيلية داخل  حفلات تميز تنظما المديريات بمنطق وجب إعادة النظر فيه بكل الاستعجال الضروري و بكل أفق الجدوى الممكنة و المعقولة.